الجيش بين فاجعة الجنوب ومعركة نزع السلاح

في لحظة سياسية وأمنية بالغة الحساسية، هزّ لبنان خبر مقتل ستة من عناصر الجيش اللبناني في حادثة جنوبية غامضة، لتفتح الباب على أسئلة أكبر تتعلق بمدى قدرة المؤسسة العسكرية على تنفيذ القرار الحكومي الأخير القاضي بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله بحلول نهاية العام. الحادثة، بما تحمله من رمزية ومخاطر، لا يمكن فصلها عن التجاذبات الإقليمية والمحلية التي تحكم الملف.
ضربة موجعة للمعنويات
الجيش اللبناني، الذي كان يسعى منذ فترة لإعادة تثبيت حضوره في الجنوب ضمن مهمات حفظ الأمن، تلقّى بخسارة ستة من جنوده ضربة قاسية على الصعيد المعنوي.
الجنود الذين سقطوا في ظروف ميدانية غير واضحة تماماً، يمثلون نموذجاً لتضحيات المؤسسة، لكن تكرار مثل هذه الحوادث يطرح علامات استفهام حول البيئة الأمنية التي سيعمل الجيش ضمنها إذا انتقل من مهمة المراقبة والانتشار إلى مهمة أكثر خطورة وحساسية: نزع السلاح من أقوى قوة عسكرية غير رسمية في البلاد.
بيئة عمل غير آمنة
جنوب لبنان ليس مجرد جغرافيا نزاع، بل هو مسرح متداخل للنفوذ الإيراني، والحضور الإسرائيلي المباشر عبر الخروقات اليومية.
إضافةً إلى ذلك، يتمتع حزب الله ببنية عسكرية وأمنية موازية داخل القرى والبلدات الجنوبية، تجعل أي تحرك عسكري للجيش باتجاه جمع السلاح محفوفاً باحتمالات الصدام، أو على الأقل باعتراضات سياسية وشعبية قوية.
حادثة مقتل الجنود، في هذا السياق، توحي بأن أي تحرّكا مستقبليا لنزع السلاح قد يواجه مخاطر مشابهة أو أكبر.
التحدّيات اللوجستية والبشرية
من الناحية العملية، الجيش اللبناني ينتشر على مساحات واسعة، ويعاني أصلاً من محدودية الموارد المالية واللوجستية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
خسارة ستة جنود دفعة واحدة لا تعني فقط نقصاً عددياً، بل أيضاً تشديداً للإجراءات الميدانية، ما قد يبطئ تنفيذ أي خطة واسعة النطاق.
كما أن رفع درجة الحذر سيؤثر على ديناميكية العمل الميداني، ويجعل أي عملية مداهمة أو تفتيش لسلاح غير شرعي أكثر بطئاً وتعقيداً.
التأثير على القرار السياسي
من المعروف أن القرارات العسكرية الكبرى في لبنان مرتبطة بشكل مباشر بالمناخ السياسي الداخلي والتوازنات الطائفية.
الحادثة قد تمنح القوى المعارضة لخطة نزع السلاح ورقة ضغط جديدة، عبر التذرّع بأن أي خطوة من هذا النوع قد تُعرّض الجيش لاستهداف مباشر، وبالتالي تُهدّد الأمن والاستقرار.
هذا الجو قد يدفع بعض الأطراف الحكومية إلى إعادة النظر في الجدول الزمني أو آلية تنفيذ الخطة.
موقف الجيش نفسه
على الرغم من أن قيادة الجيش غالباً ما تتفادى الدخول في السجالات السياسية، إلّا أن مقتل عناصره يفرض عليها إعادة تقييم للمخاطر.
الجيش، وهو يدرك أن المواجهة المباشرة مع حزب الله ليست خياراً مفضّلاً، قد يميل إلى استراتيجية تدريجية تقوم على فرض رقابة وتشديد على حركة السلاح بدلاً من محاولة نزعه دفعة واحدة.
الحادثة الأخيرة قد تُسرّع هذا التوجه «الاحترازي».
الرسائل الإقليمية
لا يمكن إغفال البُعد الإقليمي للحادثة. فالتوقيت، المتزامن مع تحضيرات خطة نزع السلاح، قد يُقرأ كرسالة تحذيرية من قوى إقليمية سواء كانت إيران أو غيرها، بأن أي مساساً بسلاح حزب الله سيواجه بردّ ميداني، ولو عبر حوادث أمنية «غير معلنة المسؤولية».
حادثة مقتل ستة جنود في الجنوب ليست مجرد خسارة بشرية، بل هي اختبار مبكر لخطة نزع سلاح حزب الله.
الجيش اللبناني، وإن كان يملك إرادة الحفاظ على السيادة الوطنية، سيجد نفسه أمام معادلة معقّدة: كيف يوازن بين تنفيذ القرار الحكومي، وحماية عناصره، وتفادي الانزلاق إلى مواجهة داخلية قد تفجّر الوضع في البلاد؟
المشهد المقبل سيعتمد على مدى قدرة المؤسسة العسكرية على استيعاب الصدمة، وإعادة تنظيم صفوفها، وربما إعادة صياغة الخطة بما يتلاءم مع الواقع الميداني الجديد.