اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

بين البحر و"المول"... آب اللهّاب يشعل لبنان!

صيدا اون لاين

المثل الذي لطالما ردّده الأجداد، "آب اللّهاب"، لم يعد مجرّد صورة بلاغية هذا الأسبوع، بل حقيقة لاهبة التهمت أنفاس اللبنانيين، وأذابت كلّ ما في طريقها. فمن البقاع الذي لامست حرارته الـ 45 درجة مئوية، إلى الساحل الذي اختنق برطوبة تجاوزت الـ 90 %، يعيش لبنان منذ أيام تحت وطأة موجة حرّ استثنائية، هي الأشدّ منذ سنوات، شلّت قطاعات أساسيّة ودفعت مختلف المؤسسات والبلديات والوزارات إلى دقّ ناقوس الخطر.

منذ السبت الماضي، دخلت البلاد في قبضة كتل هوائية حارّة مصدرها المنخفض الهندي الموسمي، كما يوضح المتخصص بعلم الطقس والمناخ الأب إيلي خنيصر لـ "نداء الوطن"، إذ يمرّ لبنان حاليًا ضمن "الخط الثالث" للمنخفض، وهو ما يرفع الحرارة بين 41 و 46 درجة في الداخل، و 37– 38 درجة على الساحل مع رطوبة خانقة. ويُتوقع أن تستمرّ الموجة حتى الخميس، قبل أن يبدأ الانحسار التدريجي يوم الجمعة المقبل والعودة تباعًا للمعدّلات الموسمية يوم الإثنين.

الكهرباء... عجز وشبكة على حافة الانهيار
الحرّ اللاهب لم يرحم شبكة الكهرباء المتهالكة، التي عانت من عطل طارئ في محطة الذوق منتصف ليل السبت – الأحد، أدّى إلى انقطاع شامل متكرّر. وتشير مصادر مؤسسة كهرباء لبنان لـ "نداء الوطن" إلى أنّ سبب العطل يعود إلى تأثير الحرارة والرطوبة المرتفعة على عوازل التوتر العالي، ما انعكس أعطالًا متسلسلة على معمل دير عمار الذي يتحمّل اليوم العبء الأكبر، في وقت يعمل معمل الزهراني بثلث طاقته بسبب الصيانة. وتكشف المصادر أنّ المعمل سيعود إلى الخدمة فجر اليوم.

المياه... الشحّ يطرق الأبواب
الأزمة المائية تفاقمت أيضًا. فقد أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان عن تراجع التغذية بسبب توقف بعض المضخّات في محطة الضبية من جرّاء انقطاع الكهرباء، ما أثر على بيروت والمناطق الساحلية في المتن. أمّا مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، فأكّدت أنّ الانقطاع الكهربائي أصاب منشآتها ومحطات الضخ، داعية المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك.

هذا النقص الحادّ، كما يوضح رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين في لبنان إبراهيم الترشيشي لـ "نداء الوطن"، يهدّد الإنتاج الزراعي: "موجة الحرّ القاسية ضربت المحاصيل، بعضها نضج قبل أوانه، وبعضها الآخر تلف تحت أشعة الشمس، والمياه قليلة أساسًا، ما يجبر المزارع على تقليص الريّ أو تحديد أولويات المزروعات". الترشيشي حذر أيضًا من احتمال ارتفاع أسعار الخضار والفواكه بسبب قلة الإنتاج وزيادة الطلب.

الحرائق... خطر دائم واستنفار كامل
في الميدان، تعمل فرق الدفاع المدني بلا هوادة. رئيس شعبة العمليات المركزية في المديرية يوسف بو شعيا يكشف لـ "نداء الوطن" أنّ معدل الحرائق ارتفع من 48 إلى 85 حريقًا يوميًا منذ بداية الموجة، معظمها في الأعشاب والأحراج. ويضيف: "جهوزيتنا كاملة، ونعمل وفق تعليمات وزير الداخلية والمدير العام، لكننا نحذر المواطنين من إشعال النفايات أو النيران خلال التنزه، وندعو للإكثار من شرب المياه وتجنب الشمس المباشرة".

المواطنون... بين البحر والمول
ردود فعل اللبنانيين تباينت أمام موجة الحرّ. البعض لجأ إلى البحر، وإن سجل الصليب الأحمر اللبناني حالات محدودة من التعرض المباشر لأشعة الشمس، فيما فضّل آخرون قضاء الوقت في المراكز التجارية والمطاعم المكيّفة. لكنّ شريحة واسعة لا تملك ترف تشغيل المكيّف في ظلّ غياب الكهرباء أو ارتفاع كلفة المولّدات، مكتفية بوسائل تبريد بسيطة.

الاقتصاد والزراعة... خسائر متراكمة
على صعيد الزراعة، تضرّرت محاصيل البقاع والجنوب بشكل ملحوظ. يشير الترشيشي إلى أنّ الخسائر قد تتفاقم إن طال أمد الموجة، إذ يتطلّب الأمر ريًّا مضاعفًا في وقت تعاني فيه الآبار والينابيع من الجفاف. كما حذرت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية من خطورة رش المبيدات والأسمدة حاليًا، ودعت إلى تبريد البيوت البلاستيكية ومزارع الدواجن، ومنع حرق الأعشاب.

"آب اللّهاب" هذا العام لم يكن مجرّد عنوان على لسان الأجداد، بل جرس إنذار على واقع مناخي واقتصادي واجتماعي متأزم. من الكهرباء إلى المياه، من الصحة إلى الزراعة، كلّ القطاعات تأثرت، وكل المواطنين باتوا في قلب الأزمة. وبينما ينتظر اللبنانيون انحسار الموجة نهاية الأسبوع، تبقى الحاجة ملحّة إلى خطط وطنية واضحة للتعامل مع هذه الظواهر التي لم تعد استثناءً، بل باتت جزءًا من صيف لبنان... الحارق.

تم نسخ الرابط