اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

قبل أشهر من موعدها... لماذا بدأ الحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية؟!

صيدا اون لاين

في عجقة الانشغال السياسي بالاستحقاقات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة وما تبعها من جدل حول السلاح، يبدو أنّ هناك من بدأ يُعِدّ العدّة لتأجيل الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في أيار 2026، أو على الأقل الترويج لمثل هذا السيناريو باعتباره "أمرًا واقعًا"، في ضوء غياب المسار التشريعي اللازم لتغيير ​قانون الانتخاب​ كما كانت تطالب قوى سياسية وازنة، أو بالحدّ الأدنى تعديل ما يجب تعديله من مواده وبنوده.


وفي حين لا يزال الحديث عن التأجيل "أسير" تقارير صحافية تقاطعت في الآونة الأخيرة على وجود مصلحة ضمنية لدى مختلف الأفرقاء بالتأجيل، بغضّ النظر عمّا تعلنه القوى السياسية في هذا السياق، كان لافتًا خروج النائب سجيع عطية بكلام صريح حول تأجيل الانتخابات النيابية "لسنة أو سنتين"، وفق قوله، وإن وضع تصريحه في خانة "الاستنتاج السياسي"، مستندًا فيه إلى قراءة سياسية تبدو واقعية إلى حدّ بعيد.


هكذا، تبدو الإشكالية مزدوجة: قانونيًا وتقنيًا من جهة، وسياسيًا من جهة أخرى. وعلى تخومهما، تتموضع وجهة نظر معاكسة ترى أنّ الإبقاء على موعد الانتخابات، بل وتبكيرها في الحالات العادية، هو القاعدة الديمقراطية المتّبعة عالميًا عندما تتعمّق الأزمات؛ لكن بين القاعدة والاستثناء مساحة رمادية واسعة في لبنان، تحكمها بنية النظام وموازين القوى الراهنة. فهل يمكن القول إنّ تأجيل الاستحقاق الانتخابي قد حُسِم عمليًا، أم أنّ كل الاحتمالات تبقى واردة؟

قبل الحديث في السياسة، يشير العارفون إلى دوافع "تقنية" قد تتطلّب تأجيل الانتخابات، بينها بعض "الثغرات" في القانون الحالي، الذي لا يمكن إجراء الاستحقاق بموجبه من دون إدخال تعديلات محدّدة عليه. ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، ما يرتبط باقتراع غير المقيمين (​المغتربين​) وفق القانون رقم 44/2017، إذ خصّص القانون ستّة مقاعد للمغتربين بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وبالتوزيع المذهبي المعروف، لكن يبدو أنّ هذه المقاعد تثير الجدل على أكثر من خطّ ومستوى.
وفي هذا السياق، يشير العارفون إلى أنّ هذا التفصيل التقني ليس تفصيلًا؛ إذ إنّ تطبيقه يتطلّب حسمًا سياسيًا وتشريعيًا وإداريًا مسبقًا، ويستلزم تجهيز لوائح الاقتراع في القارات الست وآليات نقل الصناديق واحتساب النتائج، علمًا أنّ القوى السياسية منقسمة في مقاربته بين من يصرّ على تطبيقه كـ"التيار الوطني الحر" مثلًا، ومن يرى فيه "تهميشًا" للمغتربين وعزلًا لهم عن دوائرهم الأم لا لزوم له.

يُضاف إلى ذلك أنّ المهل الإجرائية تتزاحم: من تنقيح القوائم وتصحيح القيود وشطبها، مرورًا بإرسال الاعتراضات عبر السفارات والقنصليات ضمن آجال محدّدة (قبل العشرين من شباط من كل سنة)، وصولًا إلى تحديد أقلام الاقتراع وإبرام العقود اللوجستية في الخارج. وبالتالي، فإنّ أيّ تعثّر في هذه الحلقات يبرِّر أمام الرأي العام طرح "التأجيل التقني"، وهو التعبير الذي تكرّس محليًا في تجارب انتخابية سابقة.

عمومًا، يرى كثيرون أنّ العوامل التقنية ليست سوى "غطاء" لتلك السياسية، التي تبقى وحدها "الفيصل" في ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى في موعدها أم لا. وهنا قد لا يكون مستغرَبًا وجود "تقاطع ضمني" بين خصومٍ لدودين على فكرة التأجيل، وإنْ تفاوتت الأسباب؛ فبعض القوى تعتبر أنّ صندوق الاقتراع الآن قد يكرّس خسارةً صافية بفعل تبدّل المزاج بعد الحرب، فيما ترى أخرى أنّ تمديد الوقت يتيح إعادة لملمة القواعد وبلورة تحالفات أمتن، وثمّة من يترقّب مسارات أمنية ودبلوماسية (ومنها مصير ملف السلاح) قبل تثبيت خريطة المجلس المقبلة.
واستنادًا إلى ذلك، تبدو إشارات التأجيل حاضرة على أكثر من مستوى، بل إنّ هناك من يعتقد أنّ القرار السياسي بالتأجيل قد اتُّخِذ وأنّه ينتظر "الوقت المناسب" ليخرج إلى العلن، فيما يسود لدى كثيرين الانطباع بأنّ القوى السياسية ستعمد إلى فتح النقاش التشريعي حول القانون في ربع الساعة الأخير، بما يمهّد لتمديد "تقني" عنوانه "الغاية تبرّر الوسيلة"، باعتبار أنّ تعديل القانون وتطويره يبقى أهمّ من إجراء الانتخابات بموجب قانون يعترض كثيرون عليه.

لكن إذا كانت القوى السياسية تتعامل مع تأجيل الانتخابات بوصفه "نتيجة حتمية" للأزمة المتفاقمة، ثمّة في المقابل من يرى أنّ إجراء الانتخابات قد يكون المخرج الوحيد شبه الواقعي من الانسداد، ولا سيما أنّها ستشكّل أول استفتاء سياسي من نوعه بعد كلّ ما قيل عن تبدّل موازين القوى خلال العامين الماضيين، وبالتالي ستفتح المجال أمام إعادة تكوين شرعيةٍ نيابية تتيح إنتاج تسويات رئاسية وحكومية لاحقة، بدل ترحيل المشكلة.

ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ تشغيل ماكينة القانون كما هو، أو إدخال تعديلات محدودة عليه ضمن مهل معقولة، يبقى أفضل من فتح الباب على فراغٍ طويل أو تمديدٍ يثير نزاعات دستورية. ويشيرون إلى أنّ الأمور التقنية قابلة للحلّ، بما في ذلك مسألة غير المقيمين، إذ يمكن لمجلس النواب أن يحسم الأمر: إمّا عبر تفعيل المقاعد الستة، وإمّا عبر إلغاء المواد الخاصة بهذه المقاعد والاكتفاء باقتراع المغتربين في دوائرهم الأم، من دون تعقيد قاعدة التمثيل.
في المحصّلة، تبدو السيناريوهات لا تزال مفتوحة، على الأقلّ في الظاهر. أوّلها تأجيل «تقني–سياسي» مقنّع، وهو ما يحتاج إلى توافق عريض يوفّر غطاءً دستوريًا وإعلاميًا، وهو ما لا يبدو مستحيلًا بناءً على التجربة وتقاطع المصالح. وثانيها تثبيت موعد الانتخابات، مع إنجازٍ سريعٍ للتعديلات الضرورية (إن وُجدت) وفتح الماكينات الدبلوماسية والإدارية لتأمين الاقتراع في الداخل والخارج ضمن المهل.

وفي الحالتين، تبقى كلمة السر في مجلس النواب. ويبقى الثابت أنّ همس التأجيل سيظلّ الأقوى، من الآن وحتى موعد الانتخابات، ما لم تُطلق ورشة تشريعية–إدارية جدّية في أقرب وقت ممكن.

تم نسخ الرابط