هل تفاجئ الصين العالم... بالذهب؟

بعدما كان الألماس منذ الأزل ملك الاحجار الكريمة، وأغلاها ثمنا، بفعل ندرته والوقت الطويل الذي يقاس بمليارات السنوات ليتكوّن في باطن الأرض، قلبت الصين المعادلة، رأسا على عقب داخل مختبراتها. فالألماس المُصنّع، الذي تنتجهُ الصين فرضَ نفسه وبقوّة في الأسواق العالمية وتحوّل إلى مُنتج مميّز ومرغوب وبأسعار أرخص.
بدأت قصة الالماس الاصطناعي في الصين في الستينيات عبر إنتاج بلورة ماس صناعية من ضمن برنامج بحث علميّ ومن خلال الضغط والحرارة العاليين وهي التقنية التي تحاكي الظروف الجيولوجية داخل الأرض، فيُضغط الكربون في حرارة تتعدّ ى الـ1500 درجة مئوية... فتتشكل لدينا بلورات الالماس المطابقة كيميائيا وفيزيائيا للألماس الطبيعي، لدرجة أنه لا يمكن التفريق بين الأصلي والصناعي إلا بأجهزة حديثة للغاية. أما في ما يتعلق بالشق التجاري من الالماس الصناعي، فإن التحوّل هنا لم يبدأ قبل العام 2015، حينما دعمت الحكومة هذا القطاع باعتباره صناعة تكنولوجية واعدة من شأنها أن تنافس التعدين التقليدي.
بحسب التقارير، بلغ إنتاج الصين في العام 2023، أكثر من 70 في المئة من إجمالي الألماس المخبري حول العالم، والذي يقارب الـ22 مليون قيراط سنويا، حتى أن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن الصين بلغت مرحلة متقدمة للغاية بحيث باتت قادرة على إنتاج حوالى 20 مليون ماسة في الأسبوع الواحد، بفعل التطور الذي تشهده تقنيّاتها بالنسبة للضغط العالي والبخار الكيميائي.
ما تقدّم، لجهة السرعة بالإنتاج والكثافة، انعكس بشكل كبير على الأسواق العالمية فجعل الألماس الصناعي متاحا بكميّات ضخمة وبأسعار أقلّ بكثير من الألماس الطبيعي مما جعله مرغوبا بشكل كبير، فتراجعت الأسعار العالمية للالماس الطبيعي باكثر من 30 في المئة خلال عامين فقط، ما ادى إلى تراجع مبيعات شركات كبرى، فيما اضطرت أخرى إلى وقف خطها التجاري بفعل الخسائر الكبيرة.
فالمستهلكون ما عادوا يجدون سبيلا للتفريق بين الألماس الطبيعي والآخر المخبري، لأن الشكل كما الجودة متطابقان لدرجة كبيرة بحيث يصعب التفريق بينهما، فلم يعد من الممكن الإشارة إلى "الألماس" على انه نادر.
ما فعلته الصين بسوق الألماس عالميا يُخشى من تكراره مع الذهب، بعدما عمدت خلال سنوات طويلة مضت إلى استحداث نوع جديد من المعدن الأصفر اطلقت عليه إسم "الذهب الصافي الصلب"، وهو بنسبة نقاء 99،9 في المئة مع صلابة عالية جدا، ولمعان شديد... والتصاميم التي تخرج من المختبرات الصينية مبهرة للنظر ومقاومة للخدوش، كما أنها أخف وزنا من تصاميم الذهب الطبيعي. الذهب هذا، والذي يُطلق عليه بالصينية إسم "يينغ زو جين"، دخل معارض الذهب الصينية خلال العام الحالي، حتى انه بات اليوم يشكل حوالى 25 في المئة من مبيعات مجوهرات الذهب في الصين.
فماذا لو حذا "يينغ زو جين" حذو الألماس الصناعي؟ ماذا لو، اقتحمَ الأسواق العالمية فيما الذهب الطبيعي يعيش عزّه، ويتسابق المستثمرون كما المواطنون على شرائه وسط أسعار خيالية؟ فالمفاجآت كما التراجيديا ليست حكرا على السياسة فقط، لان ما قد يفعله الاقتصاد موجعٌ أكثر!