غوركا الأميركي يصل بـ "الإنذار الأخير" إلى لبنان
وصلت الأزمة المتعلّقة بنزع سلاح "حزب الله" إلى نقطة حرجة. فقد صعّدت الولايات المتحدة الضغط على لبنان، مشيرة إلى أن الإجراءات المتخذة من السلطات اللبنانية للقضاء على ترسانة "الحزب" "غير كافية". يأتي ذلك تزامنًا مع وصول وفد من كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي، برئاسة سيباستيان غوركا ونائبه رودولف عطالله إلى بيروت، حاملين رسائل حازمة للبنان بشأن نزع سلاح "حزب اللّه" والجهود المستمرّة لمنع إعادة تأهيل شبكاته العسكرية والمالية. وكانت "نداء الوطن" قد أكّدت أن زيارة غوركا، التي تأتي في أعقاب توجّه كبار مسؤولي وزارة الخزانة إلى لبنان لمناقشة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، هي "بمثابة الإنذار الأخير".
يأتي ذلك في ظلّ حملة من الضغط القصوى تشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران ووكلائها، ولتعزيز الضمانات وزيادة الإجراءات المقيّدة لوصول الجماعات الإرهابية إلى النظام المالي العالمي. من هنا، تأتي مطالب واشنطن لبيروت باتخاذ إجراءات ملموسة للقضاء على ترسانة "حزب اللّه". ووفقًا لمصادر في الخارجية الأميركية، فإن "الفشل اللبناني المستمرّ" في نزع سلاح "حزب اللّه"، يعقد جهود السلام والأمن، لافتة إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان بإمكان لبنان تلبية المطالب الدولية، واستعادة سلطة الدولة بالكامل، وتجنب صراع مدمّر آخر.
ويقول مصدر دبلوماسي أميركي إن ما يحصل في لبنان مثير للدهشة خصوصًا في ظلّ التقارير الاستخباراتية التي تؤكد أن "حزب اللّه" لا يزال قادرًا على الاستمرار، منتقدًا دور قوات اليونيفيل ذات التمويل الدولي، الذي سمح لـ "الحزب" ببناء "جنوب تحت الجنوب" رغم الرقابة الدولية. في هذا الإطار، لفت مسؤول أميركي سابق إلى أن إسرائيل تبقى وحدها القوّة التي تمتلك القدرة والإرادة لفرض نزع سلاح "حزب اللّه"، وهي لن تتنازل بشأن نزعه. في المقابل، يرى بعض الخبراء الأميركيين أن تصاعد الضغط على لبنان بشأن نزع السلاح يشكّل تهديدًا كبيرًا للبنان، إذ تسلط هذه المطالب الضوء على هشاشة سلطة الدولة في مواجهة النفوذ المتجذر للميليشيات. وتؤكد التصريحات الأخيرة لدبلوماسيين أميركيين ضرورة اتخاذ الحكومة اللبنانية خطوات عاجلة للحدّ من نفوذ "حزب اللّه".
وفيما يشير التقرير الأخير للجيش اللبناني إلى إحراز بعض التقدّم في جنوب لبنان، إلّا أن هذا التطوّر تقابله تحدّيات أبرزها جهود "حزب اللّه" المستمرّة لإعادة التسلّح والمشهد السياسيّ المعقد داخل لبنان. في هذا الإطار، أشار مصدر قريب من البنتاغون إلى أن واشنطن تعتبر إنجازات الجيش اللبناني "الخجولة" مترافقة مع اقتراح قائد الجيش رودولف هيكل تجميد خطة حصر السلاح بسبب التحرّكات الإسرائيلية، دلالات على عدم فعالية عمليات الجيش اللبناني التي تواجه عقبات لوجستية وتشغيلية. وأشارت تقييمات الاستخبارات الأميركية إلى أن تصاعد الإجراءات العسكرية الإسرائيلية يعكس "عدم تعامل الجيش اللبناني بحزم والوفاء بالتزاماته بنزع السلاح". ويلفت المصدر العسكري إلى أن التداعيات السياسية لهذه الأزمة عميقة، فيما يحذر خبراء أميركيون من أن عدم فعالية استراتيجية نزع السلاح في لبنان لن تؤثر على استقراره الداخلي فحسب، بل قد تتردّد أصداؤها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
مع اقتراب الموعد الحاسم لنزع سلاح "الحزب"، كثفت إسرائيل تحذيراتها للبنان، مطالبةً باتخاذ إجراءات فورية لنزعه. ويتفاقم هذا الضغط المتزايد بانضمام واشنطن إلى تل أبيب في التعبير عن إحباطها من عدم فعالية إدارة الرئيس جوزاف عون في كبح القدرات العسكرية لـ "حزب اللّه". فقد أبلغت إسرائيل، من خلال لجنة الميكانزيم، هذه التحذيرات التي اعتبرتها واشنطن إدانة صريحة لـ "فشل الجيش اللبناني في منع "حزب اللّه" من إعادة بناء قوته العسكرية". وقد أكدت تقارير استخباراتية معلومات تفيد بأن "حزب اللّه" عزز بشكل كبير مخزونه من الأسلحة بمئات الصواريخ المهرّبة من سوريا، وأعاد إنشاء أنظمة إطلاق الصواريخ، وجند آلاف المقاتلين الجدد. وتُعتبر هذه التطوّرات انتهاكات صارخة لبنود وقف إطلاق النار التي تنصّ على نزع سلاح "الحزب" وكامل الأسلحة غير الشرعية في لبنان.
في المقابل، يعارض "الحزب" بشدّة أي جهود خارجية أو داخلية لنزع سلاحه، وخاصة انتقاداته المرتبطة بتحركات الحكومة نحو "حصرية السلاح". وتعكس سردية "حزب اللّه" بأن أسلحته "ضرورية للدفاع الوطني اللبناني" وتحذيره للداخل من الانخراط في مفاوضات مع إسرائيل، مناورة استراتيجية تهدف إلى تحقيق بعض الربح بعد سنتين من الخسائر الجسيمة مخافة تهميشه. ولفت مصدر أميركي إلى أن سردية "الحزب" في إعادة تعريف خطابه حول نزع السلاح تهدف إلى إعادة تموضعه كعنصر حاسم في المفاوضات مع إسرائيل، غير أن واشنطن "لن تسمح له في اكتساب نفوذ لا ضد إسرائيل ولا ضد جيواستراتيجيات المنطقة". من هنا، تتجدّد العقوبات الأميركية التي تستهدف الكيانات اللبنانية المرتبطة بـ "حزب اللّه"، وتتزايد الدعوات الدولية لإجراء مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل.
ويرى خبراء أميركيون أنه في أعقاب رسالة "الحزب" المفتوحة، ظهرت تداعيات فورية على عدة جبهات. إذ تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، ما عكس ردًا على تحدّي "حزب اللّه". وعلى الصعيد الداخلي، واجه لبنان توترات سياسية متزايدة، بينما أصدر المجتمع الدولي تحذيرات بشأن احتمال اندلاع صراعات أوسع في المنطقة. واشتدّت الضغوط المالية الأميركية بهدف تقليص مصادر تمويل "حزب اللّه" وعملياته. وكان ردّ الولايات المتحدة على رسالة "الحزب" حازمًا وصريحًا من دون تسميته. فقد أكد المسؤولون الأميركيون ازدياد الدعم لإسرائيل في حال اختيارها تصعيد العمليات العسكرية ضد لبنان. واعتبرت واشنطن الحشد العسكري المستمرّ لـ "حزب اللّه" تحديًا مباشرًا للسيادة اللبنانية والاستقرار الإقليمي، ما أدّى إلى انتقادات للحكومة اللبنانية لتقاعسها عن نزع سلاح "الحزب".
وبينما دافعت واشنطن عن حق إسرائيل في الردّ على تحدّي "حزب اللّه"، اتخذت أيضًا خطوات لتسهيل المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى تخفيف التوترات، مستعينةً بشركاء إقليميين مثل مصر لاقتراح مفاوضات ثنائية بين لبنان وإسرائيل. باختصار، يفرض هذا الوضع المتطوّر تحدّيات جسيمة على لبنان وقدرته على إدارة كلّ من الحقائق السياسية الداخلية والضغوط الدولية المتعلّقة بمستقبل "حزب اللّه" وترسانته