الداعية التركي عدنان أوكتار المعروف بإقامة حفلات جنس جماعي وبالابتزاز يثير اهتمام الإسرائيليين

تبلغ فوليا من العُمر 36 عاماً وهي امرأة تركية طويلة ونحيفة، ذات شعر أشقر مُعالج بماء الأوكسجين، عيناها عسليتان، وحاجباها مرسومان، وشفتاها مُمتلئتان. تتجه إليها جميع الأنظار عندما تدخل أحد المطاعم الفخمة على الجانب الأوروبي للبوسفور في إسطنبول في منطقة "بيبيك" الراقية. وفوليا (وهذا ليس اسمها الحقيقي)، ابنة الرئيس التنفيذي لشركة تركية كبيرة، وتبدو وكأنها تتمتع بهالة ساحرة من الشهرة، لكن عملها ليس ذا جاذبية، فهي تعمل لدى منظمة غير حكومية في إسطنبول.
عملت فوليا قبل ذلك كمُعلقة صحافية على الأحداث في تركيا والشرق الأوسط، واعتادت الظهور في كل من الصحف وفي برامج البث المباشر. وقد شغلت هذه الوظائف بينما كانت، ولأكثر من عقد من الزمن، عضواً في طائفة دينية جنسية يقودها شخص يُدعى عدنان أوكتار. ووفقاً لما صرحت به فوليا، فقد انتهجت في السنوات الأربع الماضية مهنتها كصحافية على رغم أنها كانت أسيرة للطائفه الفقهية، عقب محاولتها الفاشلة الأولى للهروب، إذ إنها اعتادت تحديد موعد مع طبيب في المستشفى لمحاولة الهروب، ولكن رجال أوكتار رصدوها وهي على وشك الدخول إلى المستشفى وأجبروها على ركوب سيارة. وبعدها احتجزت في غرفة في أحد مجمعات إسطنبول السكنية التي تملكها الطائفة، مُستكملة عملها في معظم الأحيان من طريق الحاسوب، وتخضع للمراقبة الشديدة، ولا تترك الغرفة إلا للمشاركة في أنشطة الطائفة.
تقول فوليا إنها تيقنت من أنها لن تتمكن أبداً من الفرار، طالما ظلت في مجمع الطائفة المركزي المُحاط بالأسوار، والذي يخضع لمراقبة شديدة. ولذلك، تشاجرت مراراً وتكراراً مع أوكتار، حتى أمر بنقلها مُنذ أقل من عام إلى مجمع سكني آخر يملكه. وهناك، وبعد أن استطاعت بعث رسالة إلى والدها، تمكنت من تدبير وسيلة للهروب. وفي لحظة متفق عليها مُسبقاً، ركضت إلى الفناء، لا تحمل سوى بطاقة الهوية الخاصة بها، مرتديةً ملابسها المنزلية، وركبت سيارة والدها التي انتظرتها في الخارج ولاذت بالفرار، بينما حاول العاملون في الطائفة الإمساك بها.
ووفقاً للقصة التي روتها فوليا وشريكها سِيدات (اسم مستعار)، الذي فر أيضاً من الطائفة منذ عامين، فإن شخصية أوكتار تُعد مزيجاً من الدعاة الإنجيليين الذين نراهم على شاشات التلفزيون الأميركي، وبين قائد لطائفة تدعو إلى ممارسة الجنس، الذين يُعارضون من حيث المبدأ إنجاب الأطفال للعالم. وقد كان الغطاء لكل ذلك هو تفسير فريد لتعاليم الإسلام.
جمع أوكتار الذي يبلغ من العُمر 62 عاماً- منذ أن بدأ دعوته لوجهة نظره عن العقيدة الإسلامية في إسطنبول عام 1980- مجموعة من الأصدقاء الأوفياء كما يسميهم، وصل عددهم إلى 300، والذين اتبعوه، بغض النظر عن الاتهامات التي أحاطت بهم، بأنهم خدعوا وتم التلاعب بعقولهم، وتعرضوا إلى الاستغلال الجنسي والاقتصادي.
بدأت تعاليمه الدينية في لفت الأنظار في تركيا وحول العالم منذ عام 2011 عندما بدأت قناته A9 في البث عالمياً (مصحوبة بالترجمة الإنكليزية). يُركز أوكتار على النشاطات الموجهة إلى حوار الأديان، والتي جعلته في رجال السياسة والحاخامات في إسرائيل، ولكنه عُرف في السنوات الأخيرة بسبب تفسيره الغطاء الذي يجب على المرأة ارتداءه وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي، وهو من وجهة نظره أي شيء، حتى أكثر الملابس الفاضحة مثل البيكيني. وأن الشرط الوحيد في رأيه هو تغطية حلمات الصدر ومنطقة الفخذ.
يوضح أوكتار عندما التقيت به في إسطنبول، في أوائل شهر شباط (فبراير)، قائلاً إن "المرأة من مظاهر إبداع الله. فهن يعتبرن الكائنات الأكثر جمالاً في العالم. فهن بمثابة عمل فني لا مثيل له من صنع الله. كما أنهن مخلوقات رائعات، ينبغي احترامهن وحبهن والاعتزاز بهن وحمايتهن على مدى حياتهن باعتبارهن نعمة.
أما عن الجزء الأشهر في عقيدته فهو "قططه" كما يسميها، وهن مجموعة من الشابات اللاتي يضعن الكثير من مستحضرات التجميل ويرتدين الملابس الضيقة والتصميمات الكاشفة، ويظهرن على برامجه التلفزيونية مستمعين بإنصات وإعجاب شديد إلى نصائحه الدينية عن الأوضاع الحالية. وفي الفواصل بين نصائحه، يرقصن مثل الروبوتات أمام الكاميرات. يقول أوكتار: "القطط حيوانات جميلة، والهرر أجمل. فهي مظهر من بديع خلق الله".
قادت مثل تلك التصرفات تجاه المرأة إلى التعريف بأوكتار في وسائل الإعلام العالمية، مع الإشارة إليه باعتباره رئيساً للطائفة المناصرة لحقوق المرأة ، أو طائفة الجنس الإسلامي. وركزت التقارير الاستقصائية الأخرى على ما وصفوه بطريقة عمله. استندت تلك التقارير إلى الدعاوى القضائية المرفوعة ضده، وشملت شهادات تفيد بأن أعضاء الطائفة استدرجوا الشابات للمشاركة في الطقوس المشينة المصورة وأفلام العربدة ومن ثم استخدام تلك التسجيلات لابتزازهن لطاعة أوامر أوكتار.
قدم سِيدات وفوليا - أعضاء الطائفة سابقاً- شهادات مُشابهة لتلك المقدمة أثناء المحاكمة. قال سِيدات في محادثة على أحد مقاهي إسطنبول– وهو لا يتحدث الإنكليزية، ولذلك ترجمت فوليا- أن أحد مهماته كذراع يمنى لأوكتار تمثلت في البحث عن الشابات واستدراجهن للانضمام إلى الطائفة. وأضاف قائلاً: "على سبيل المثال، تمر فتاة من هنا الآن، فاذهب لمقابلتها، ونصبح رفاق". لاحظ سِيدات وفوليا أن أوكتار يزود الشباب الذي يرسلهم لإغراء النساء بسيارة فارهة وشقق فخمة، وبذلك سيتمكنون من تقديم أنفسهم على أنهم رجال أعمال ناجحين.
وبعد أن يتم الاتصال، يُخبر الشاب المرأة أنه شخص معاصر، ومُتفتح ويُحب تجربة "أشياء أخرى" – بخاصة الجنس الجماعي- حتى تتأقلم الفتاة مع ذلك. وفي تلك الأثناء، أوضحت فوليا: "يقوم أحد الأشخاص بتسجيل فيلم لهم. وتعرف تلك الشابة أنها تُصور". وأضافت أنه بتلك الطريقة تتعرض الشابة لتجارب جنسية مع العشرات من الرجال المختلفين الذين يطلقون العنان لدفاعاتهم الذهنية الذاتية، وفي النهاية تأتي الشابة أمام أوكتار من دون أي اعتراضات، لأنه لا يوجد شيء يُمكن الاعتراض عليه عند تلك المرحلة.
وتابع سيدات متذكراً أنه كان يشعر بعدم الارتياح في الكثير من الأوقات بسبب تلك الأشياء الرهيبة التي يفعلها مع النساء. وفي تلك المواقف كان يتركهن، ويقول لأوكتار أن الفتاة هي من تركته. ولكن في معظم الحالات، "ولأنني كنت مُغيباً وعلى اقتناع بأن هذا الرجل يقودنا إلى الجنة، وأن الجميع في الخارج سيذهبون إلى الجحيم، كنت أعتقد أن ما أفعله ينقذهن من الشر، كنت أجبر نفسي على التفكير بهذه الطريقة".
ووفقاً لما ذكره أوكتار ومعاونوه، فإن لديه ما يقرب من 300 "صديق مخلص" يشاركون في أنشطته الدينية. ولكنهم يجزمون أن مذهبه الإسلامي الأسمى يصل إلى الملايين عبر قناته التلفزيونية وكتبه ومقالاته. إلا أن فوليا وسِيدات أكدا أن عدد أفراد الطائفة أقرب إلى 200 عضو منهم 40 إلى 50 من النساء. وقد ورد في تقرير استقصائي نُشر على موقع New Humanist عام 2009 عن الطائفة، أن "القطط" في الطائفة التي يترأسها أوكتار يقسمن الى جزءين وهن إما "أخوات" يمارسن الجنس مع أوكتار فقط، أو "خليلات" وهن من يتشارك فيهن أوكتار وباقي أفراد الطائفة والضيوف ممن يرغب أوكتار في التسجيل لهم متلبسين حتى يستطيع بسط نفوذه عليهم.
وعرضت فوليا وصفاً آخر لبنية الطائفة، قائلةً إنها مُتدرجة مثل طبقات البصلة. "إذ توجد نساء مثلي، يسموننا الأخوات. يمكننا المشاركة في أبحاثه، وأوراقه، وموقعه على الإنترنت، وكل ما يدعي فعله، وأولئك النسوة لسن بالضرورة جذابات. ومن النادر ظهورهن على التلفزيون. ولكن توجد مجموعة أخرى من النساء عادةً ما يظهرن معه في برنامجه التلفزيوني وهن جميلات حقاً. وكل ما عليهن فعله هو الاعتناء بأنفسهن والرقص أمام الكاميرات والتصوير، ويستخدمهن للدعاية وغير مسموح لهن بالحديث مع أحد. وربما يخبرهن أن تلك الأماكن خطرة ولذلك غير مسموح لهن بالتعامل مع الضيوف الخارجيين".
واستطردت قائلةً: "وهناك مجموعة أخرى. تستطيع تلك المجموعة من النساء كسب المال وتعطيه لأوكتار ويعشن في منازل أخرى. ويرونه مرتين أو ثلاثاً شهرياً. هن تابعات له ولكن لهن حياتهن الخاصة. ويستخدمهن مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض الدعاية لنشر كتبه. وعندما يكون هناك مؤتمر ويحتاج الأمر إلى ملء القاعة بالضيوف، تأتي أولئك النسوة".
أما عن قصة انضمام فوليا إلى الطائفة فهي تختلف عما قالته هي وسِيدات. كان أول اتصال لفوليا مع الطائفة وهي طالبة جامعية، مع أحد الشباب من رجال أوكتار. أخبرت وهي مُبتسمة: "ولكننا تقابلنا مرة واحدة فقط. وكان من المفترض أن يصبح صديقي الحميم. ولكنني تشاجرت معه في مقابلتنا الأولى. كنت عنيدة حتى في صغري".
"ذهب إلى أوكتار وأخبره أنه قابل فتاة جميلة وموهوبة لكنها صعبة الطباع. فطلب منه أوكتار أن يحضرها له وقابَلته". كانت تلك هي الطريقة التي قابلته فيها لأول مرة. وقالت إنه بعد تلك المقابلة صارت تذهب إلى مجمع أوكتار السكني يومياً ويتحدث إليها لأكثر من 6 ساعات. "كنا نتحدث عن الحياة، وعن كل شيء. وكان يقدم لي هدايا. ويعرّفني إلى صديقاته الأخريات. كنت أقضي وقتاً طيباً جداً هناك".
كان الخلل في عائلة فوليا هي نقطة الضعف التي استطاع منها أوكتار ضمها إلى الطائفة. تابعت فوليا: "كان كل ما ينقص عائلتي هو عدم وجود أبي. فقد كان دائم الانشغال، إذ إنه يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة كبيرة. كما كنت أعاني من مشكلات كبيرة مع أمي، أدى كل ذلك إلى وجود فراغ كبير في حياتي".
وبعد ثلاثة شهور من مقابلة أوكتار، "بدأت أشعر بأن هناك عائلة من الممكن أن أصبح جزءاً منها. وصرت أقضي المزيد من الوقت مع أصدقائه الإناث. وبدأت أزورهن في منازلهن. حتى اقترح أوكتار أن أنضم إليهن والعيش معهن. ومن ثم انتقلت مع صديقاته– وكان عمري آنذاك 23 عاماً- وبعدها بأربعة أشهر انتقلت للعيش في مجمعه السكني. ولم أتركه أبداً".
وأوضحت فوليا أن عملية الانضمام إلى الطائفة تدريجية، "يقومون بتدريبك على الإيمان ببعض الأشياء، (مثلاً إن فعلت هذا الشيء فإنك بذلك تخدم الله)، ويطلبون منك التحدث إلى صديقاتك حول هذه الأفكار، وإذا رفضت صديقتك تلك الأفكار، تبدأ تشعر فجأةً بأن هناك فجوة بينكما، وأن هذه الفجوة آخذة في الاتساع. في بداية الأمر يشكك أصدقائك في المعتقدات والأفكار التي تتحدث عنها. ولماذا تتبعين هؤلاء الأشخاص غريبي الأطوار؟ وماذا تفعل معهم؟ ولماذا تقوم بتغيير مظهرك؟ ولكن الأشخاص الذين في الطائفة لا يشككون فيك أبداً. إنهم يقدمون لك الدعم والصداقات السعيدة وحسب".
أكد سيدات وفوليا أن الضغط يُمارس على التابعين للطائفة لكي يشجبوا عائلاتهم علانيةً، ويعتبر ذلك أساساً حتى يقتنعوا هم أنفسهم بأنهم وحيدون في هذا العالم، بعيداً من الطائفة. وفقاً لما ذكرته فوليا، فإن أوكتار ضغط عليها لترتدي ملابس فاضحة وتخضع للتصوير مثل غيرها من النساء. "فقد كان يعلم أن تصويري بملابس استفزازية، سيزيد من اعتمادي على ذلك لصعوبة الحصول على وظيفة في ما بعد".
البث المباشر
لا يمانع أوكتار إجراء مقابلة مع صحافي إسرائيلي، كما أنه مستعد للإجابة على كل الأسئلة (ترجم أحد المترجمين لغته التركية إلى اللغة الإنكليزية من أجلي) – لكن فقط من خلال المقابلات الحية على قناته التلفزيونية. يقع الاستوديو الذي نُقِلت إليه في أحد مراكز الطائفة على الجانب الآسيوي من إسطنبول، وهو مبنى منخفض، مُحاط بجدار وبكاميرات المراقبة الأمنية. وبعد عبور ممر مفروش بالمخمل، أُخِذ الضيف القادم من إسرائيل إلى الاستوديو. جلس أوكتار على المنصة، مرتدياً ملابس داكنة بأطراف ذهبية، بوجهه العريض وعينيه الصغيرتين الحادتين إضافة إلى نتوء هائل يُغطي جزءاً كبيراً من ساقه اليُسرى– وهو فتق أُرْبيّ لم يتمكن الثوب الخارجي الطويل من إخفائه وبدا كما لو كان سينفجر في أي لحظة.
ورداً على أسئلتي التي تتعلق بغسيل المخ، والمراقبة المستمرة، والسجن، وما إلى ذلك، أجاب قائلاً إن الأشخاص الذين يتهمونه في الوقت الحالي: "بقوا معنا ربما 20 عاماً. ولكن في النهاية تفهموا أنهم لن يتمكنوا من الحصول على أي مكاسب مالية من ورائنا، ثم بدأوا بعدها في سرد هذه الأكاذيب. فإذا كان ما قالوه حقيقياً، لماذا بقوا معنا لمدة 20 سنة؟".
وبعد البث، ومن دون إخبار أوكتار أو موظفيه، أرسلت المتحدثة باسمه إليّ مقاطع فيديو على الفور تظهر فيها فوليا ممتدحة أوكتار لمواقفه مع النساء وبوجه عام. كما يشعر المتحدثون باسمه أيضاً بسعادة لإظهار شهادة حُسن السير والسلوك التي حصل عليها من الشرطة، والتي تنص على أنه ليس لديه سجل جنائي. ومع ذلك، يقر بأنه تورط مع السلطات خلال ثمانينات القرن الماضي، كما أنه سُجن مرتين– مرة بسبب حيازة الكوكايين والمرة الثانية بسبب نشره لمواد دينية محظورة. (كانت تركيا خلال هذا التوقيت علمانية بالإكراه). ومع ذلك، قال، وأيضاً بحسب شهادة الشرطة التي يعرضها، إن هذه الإدانات قد أُسقطت.
كما أنكر أوكتار بشدة وجود أشرطة فيديو للابتزاز، أو أي حفلات جنس جماعي. وقال: "إذا كان هناك أي شيء من هذا، لماذا لا يقدمونها إلى السلطات القانونية؟ تعتبر هذه المزاعم متضاربة ومنافية للمنطق. إنهم يطلقون هذه المزاعم على مدار الـ20 أو 25 عاماً الماضية، ولم نرَ أي وثائق تتعلق بذلك من قبل". كما أضاف باقتناع: "فتشت الشرطة هذا المكان] أيضاً"
ومع ذلك، لم تتوقف ردود أوكتار على متهميه والتهم الموجهة إليه عند هذا الحد. إذْ يزعم أنهم "عندما فشلوا في الحصول على أي مال من ورائنا، حصلوا على أموال من جواسيس الدولة العميقة في بريطانيا. وهم يفعلون في الوقت الحالي كل الأشياء التي يطلبها منهم هؤلاء الجواسيس. يُطلب منهم الافتراء، وهو ما يقومون به بالفعل... ولدينا الكثير الوثائق التي تثبت أنهم يخضعون حالياً لسيطرة الدولة العميقة في بريطانيا".
فما الذي يعنيه مصطلح "الدولة العميقة" في بريطانيا؟ بالنسبة إلى هؤلاء الذين ليسوا على دراية بنظريات المؤامرة التي تدور في الزوايا المظلمة من الشبكة، يلتقط أوكتار كتاباً ضخماً– أول مجلد نشره عن الدولة العميقة، الشبكة السرية التي تدير العالم بالفعل. وتبعه مجلد ثان (كلاهما باللغة التركية والإنكليزية)، مع ترقب إصدار مجلد ثالث في الطريق.
أوكتار: "هناك هيكل للدولة العميقة في إنكلترا يضم جهاز الاستخبارات البريطاني الذي يُعرف باسم MI6 وهي وكالة تجسس أيضاً. وهو يتألف من زهاء 300 شخص، ويقوده شخص كبير في السن. فهو ذلك الشخص الذي أشار إليه البابا على أنه "شخص لا تمكن هزيمته". وسمعت كل وسائل الإعلام حديث البابا عنه بالتفصيل مؤخراً. وفي الوقت الحالي، أطلقت هذه الدولة بالغة العمق في بريطانيا حملة ضدنا. وجاء رجالهم، هؤلاء الذين يحظون بدعم من الدولة العميقة في بريطانيا، وكل الأسماء المهمة في جهاز الاستخبارات البريطاني، إلى تركيا مؤخراً. كما جاءت أيضاً السيدة التي ترأس جهاز الاستخبارات البريطاني MI6، والتقوا العديد من الأشخاص للتحدث عنّا، لإقناعهم بالبدء في عملية شرطية ضدنا".
وفي مقاطع فيديو تتعلق بهذا الموضوع، والتي كان من الممكن مشاهدتها على يوتيوب حتى أعربت صحيفة "هآرتس" عن اهتمامها بها، أوضح أوكتار لأتباعه كيف أن "الدولة العميقة" في بريطانيا أوصلت هتلر إلى السلطة. ويسأل، مشيراً إلى العلاقات الأسرية بين كبار الضباط النازيين والبيت الملكي البريطاني: "هل تلاحظون العلاقات الحميمة بين هتلر والعائلة الملكية في بريطانيا؟ وهل تلاحظون كيف أنهم يضعون هتلر في أعلى المراتب؟" وتابع قائلاً: "في بادئ الأمر، أوصلوا هتلر إلى السلطة، وبعدها أحرقوا عدداً لا يُحصى من الأشخاص في ألمانيا". لقد شاركوا في ارتكاب هذا الفظائع باسم الشيطان، كما أكد، مضيفاً أن كل مسلم يجب أن يصلي من أجل مجيء يسوع، المهدي والمسيح لكي يتصدى لهذه المؤامرة.
ولا تقتصر فائدة هذه النظرية لأوكتار على تقديم تاريخ بديل للحرب العالمية الثانية فقط. إذ اعتبر عملاء الشيطان أنفسهم ممن يعملون لمصلحة ملكة بريطانيا مسؤولين عن إنشاء الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية CIA، على حد قوله. وزعم من خلال برنامجه، وكأنه على علم مسبق: "في الواقع، تأسس الموساد على يد السير ويليام ستيفنسون (مسؤول التجسس البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية)، والمعروف بأنه اليد اليُمنى لملكة بريطانيا"، وأضاف: "لقد كانت الدولة العميقة في بريطانيا وراء وضع حدود إسرائيل".
إن موضوع الدولة العميقة يشغل مكاناً مركزياً في أحاديثه التلفزيونية، التي تم بثها يومياً على مدار سنوات على محطته التلفزيونية الفضائية في إطار لا يهدف إلى الربح. كما تتضمن مساعي أوكتار الفكرية أيضاً نشر أكثر من 300 كتاب منذ عام 1987 في مختلف الموضوعات، "بعشرات اللغات" على حد قوله.
وتركز موضوعاته التي تحتل الصدارة في الوقت الحالي، والتي تم التعبير عنها من خلال محتوى نُسِخ من مواقع أشخاص آخرين، وفق ما يقول النقاد، على التحذيرات من التفسير الداعشي للإسلام، والحاجة إلى خلق حوار بين الأديان – مع التأكيد على العلاقات مع الشخصيات السياسية والدينية الإسرائيلية – ومقاومة "الدولة العميقة" في بريطانيا.
وفقاً لأطروحة الدكتوراه الوحيدة حتى الآن التي تدور حول طائفة أوكتار، والتي قدمتها باحثة تُدعى آن روس سولبيرغ (نُشِرت، باللغة الإنكليزية، بعنوان "المهدي يرتدي أرماني" The Mahdi Wears Armani، من قبل قسم الأدب، وتاريخ الأفكار، والدين في جامعة "غوتنبرغ" السويدية)، نشأ أوكتار في أسرة علمانية من الطبقة المتوسطة في أنقرة، ووصل إلى إسطنبول عام 1979 ليلتحق بكلية الفنون. وفي خِضمّ الأجواء السياسية المشحونة للغاية في المدينة أوائل الثمانينات من القرن الماضي، بدأ العمل لكن سُرعان ما شعر بالضجر من فصول الديكور الداخلي التي كان يحضرها، وبدأ إلقاء خطابات ضد نظرية داروين عن التطور وضد الماسونيين الأحرار. والتفت حوله مجموعة صغيرة من الطلاب، وأصبحوا الأساس الذي قامت عليه "طائفته الدينية". وجنّد هؤلاء الأتباع الأوائل أعضاء جدداً في الطائفة، مع التأكيد على الأعضاء المرموقين من النخبة العالمية في اسطنبول.
وبعد سنوات قليلة، في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، قال سولبيرغ، إن أوكتار بدأ جذب انتباه السلطات بعد حوار أجرته معه إحدى الصحف، كانت السلطات في ذلك الوقت تدافع عن "علمانية" تركيا بقبضة من حديد. ووُجِهَت إليه اتهامات بنشر "دعاية دينية" وحُكِم عليه بالسجن لمدة 19 شهراً، وقضى جزءاً من المدة في قسم الأمراض النفسية.
ومع ذلك، لم يرتدع أوكتار بالمواجهات مع السلطات القائمة. فبعد إطلاق سراحه، بدأ هو وأتباعه عقد الاجتماعات في الفيلات والمقاهي داخل أحياء إسطنبول الأكثر تناغماً، حيث، طبقاً للتقارير التي استندت إليها سولبيرغ، دعا إلى مبادئه المعادية للتطور، والماسونيين الأحرار واليهود. كما تعتبر "اليهودية والماسونية" أيضاً عنواناً لأول كتبه، التي نشرت تحت اسم مستعار هارون يحيى، عام 1987 – وهو أول الدروب العديدة المعادية للسامية التي سلكها بعد ذلك بالاسم ذاته.
وينكر أوكتار كتابة هذه الكتب، سواء تحت اسمه الحقيقي أو اسمه المُستعار. وفي هذه الحالة، من هو المؤلف؟ أخبرني قائلاً: "صديق لنا، يُدعى نوري". ولماذا كتبها؟ "لأنه أثناء هذه الأوقات، اعتقد الناس أن اليهود كذلك. واستمتعت تركيا بأكملها بأفكار كهذه. واعتقدوا أن اليهود سيضعون الناس داخل صناديق، وسيتسببون في نزفهم الدماء، من أجل أن يستخدموا هذه الدماء لإعداد الخبز ومن ثم أكله. وبعبارة أخرى، تم تصوير اليهود على أنهم متوحشون إلى حد كبير وعلى أنه أُناس همجيون. وربما تأثر نوري بهذا الخطاب. اعتقد الجميع بذلك. فقد تم تصوير اليهود على أنهم أُناس همجيون خُلِقوا للقمع، وينبغي قتلهم حيثما وجدوا. ولكني أوضحت للجميع أن هذا غير صحيح".
طبقاً لأطروحة سولبيرغ، في تسعينيات القرن الماضي، بدأ أوكتار ومساعدوه شراء العقارات في مدن المنتجعات الفاخرة على طول بحر مرمرة، حيث واصلوا مساعيهم في تجنيد الناس كذلك، وركزوا على جيل الشباب الميسور. ولكن أوكتار لم يستهدف فقط الشباب الأثرياء، وفق ما ذكر سِدات. وقال عضو الطائفة السابق: "إن هذا الرجل يحتاج إلى جميع أصناف البشر. فهو يبحث عن أشخاص للعمل، فيمكنه استغلالهم على الأرض، ويحتاج إلى هؤلاء الذين يقرأون العديد من الكتب، والذين يمكنه استغلالهم في كتابة كتبه".
ووفقاً لما ذكره سِدات، هناك شيء واحد يستطيع أوكتار القيام به "بشكل جيد للغاية، وربما يكون الأفضل في العالم: إنه يعرف كيفية استغلال الناس، كما يعرف كيفية تحديد الأشخاص الذين يمكنه استغلالهم".
فما هو نوع الحياة التي يحياها الرجال في هذه الطائفة؟
ينتمي بعضهم إلى النخبة العلمانية في إسطنبول، في حين ينتمي البعض الآخر، مثل سِدات، إلى الأسر الفقيرة، وتم تجنيدهم من أجل مواهبهم. وحتى لحظة ترك سِدات الطائفة، كان واحداً من الأشخاص الذين يساعدون أوكتار ويرافقونه بصفة يومية، بينما يحيا البعض الآخر حياة منفصلة. أوصلني أور، وهو شخص ضخم مبتسم ذو لحية في الخمسينات من عمره، ولديه شعر داكن على شكل ذيل حصان، إلى المجمع لإجراء حوار مع أوكتار. يعمل هذا الشخص معه منذ ما يزيد على 30 عاماً، كما ذكر. وهو يمتلك شركة بناء، ولكنه يعمل في وقت فراغه كمتطوع في منظمات أوكتار العديدة، ومن بينها المحطة التلفزيونية. وأوضحت بطاقته التعريفية في قناة A9 أنه منتج هناك. وقال مبتسماً "كمتطوع".
وأنكر أوكتار المزاعم المذكورة في التحقيقات الاستقصائية، التي سمعتها أيضاً من فوليا وسِدات، والتي تشير إلى أن أصدقاءه يحولون الجزء الأكبر من دخلهم إليه حتى يتمكن من تمويل مشروعه التبشيري ويستمر في الحفاظ على أسلوب حياته المُترف. وأكدت المتحدثة باسمه أن نشاطه يُموّل فقط من طريق التبرعات الطوعية.
وفي رد على أحد التساؤلات من صحيفة "هآرتس"، أعلن أوكتار أنه لا يمتلك "شيئاً، فليس لدي أي مال، سواء في تركيا، أو أي بلد آخر، لا أمتلك شيئاً. كما ليست لدي أي ممتلكات، أو أي مال، أو أي شيء. فأنا أنفق كل ما أحصل عليه، في سبيل الله. وأقوم بتوزيع المال على الفور".
مداهمة الشرطة
في التسعينات، قرّر أوكتار القيام بثورته في فهمه للإسلام، وتخلت نساء الطائفة عن ملابسهن المحتشمة من أجل ارتداء ملابس كاشفة صُنعت من قِبل مصممي أزياء إيطاليين. كان هذا التحول جزءاً من عملية تغيير الصورة التي خضعت لها الطائفة- ربما بسبب الخوف من الضغط من جانب السلطات- والتي تجلت في تقليص العنصر الديني في الوعظ وتأكيد القومية التركية بشكل أكبر.
عام 1999، بدأت سلطات الدولة تحقيقاً واسع النطاق حول أوكتار وأتباعه. داهم مئات من ضباط الشرطة الممتلكات الثمانية والثلاثين التي تملكها منظمته، وألقت القبض عليه مع أعضاء من الطائفة. واستشهدت لائحة الاتهام بتفاصيل عن الابتزاز الجنسي الذي تمارسه الطائفة لتجنيد أعضاء جدد، بما في ذلك حفلات الجنس المصورة. أمضى أوكتار تسعة أشهر في السجن في انتظار المحاكمة، مع إصراره في الوقت نفسه على براءته، وادعائه بأنه تعرض للتعذيب أثناء وجوده في الحجز. وادعى أن الدلائل التي حصلت عليها الشرطة جُمعت بطريقة غير مشروعة. وبالفعل، قام معظم الشهود بسحب شكواهم في ما بعد، وأسقطت النيابة تهمها.
وبعيداً من ردعهم بواسطة الدعاوى القانونية، فقد قرر أوكتار وزملاؤه التوسع. اكتشفوا أنهم يستطيعون نشر عقيدتهم من طريق الإنترنت. وكما تشير سولبيرغ إلى حدوث التحول العقائدي التالي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة. ولقد تخلت الطائفة عن معاداتها للسامية، وشرعت في مسار جديد، يدعو إلى الإسلام المتسامح والحاجة إلى حوار بين الأديان. وقد أتاح النهج الجديد، إلى جانب صعود "حزب العدالة والتنمية" التابع له أردوغان إلى السلطة، والذي ألغى القيود القانونية على التبشير الديني، المزيد من حرية العمل للطائفة في القرن الجديد.
وأكدت سولبيرغ أن الطائفة ازدهرت اقتصادياً على نطاق غير مسبوق بفضل علاقتها مع حزب أردوغان، والذي أعطى الشركات المملوكة لأعضاء الطائفة الوصول إلى العديد من العقود العامة. ومع ذلك، في عام 2008، أعادت النيابة العامة فتح القضية ضد أوكتار، وبعد إدانته بتأسيس منظمة غير قانونية لتحقيق مكاسب شخصية، حُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات. استأنف القرار، وعام 2010 أُسقطت جميع التهم.
مع تلاشي التهديد القانوني، انتقل أوكتار إلى المرحلة التالية لنشر مذهبه التي تضمنت إنشاء محطة تلفزيونية.
عام 2011، بدأت قططه الصغيرة "kittens" في لعب دور رئيسي في صورته العامة. إضافة إلى ذلك، تحرك أوكتار لتعزيز سمعة الطائفة على الصعيد الدولي. على هذا النحو، نجح في جلب السياسيين من جمهوريات البلقان، والسياسيين، والحاخامات من إسرائيل ليظهروا في برنامجه الحواري. كانت المتحدثة باسمه مسرورة بتزويدي بقائمة تضم عشرات الشخصيات العامة الإسرائيلية التي يُقال إنها شاركت في البرنامج.
في خريف عام 2011، كان أحد أوائل الضيوف الإسرائيليين، الحاخام الأكبر السابق الأشكنازي، والحائز جائزة إسرائيل التقديرية، إسرائيل مئير لاو. أخبرني لاو أنه حضر البرنامج مرة واحدة، من خلال وساطة صحافي مخضرم في مجلة Bamishpacha، الدينية الأرثوذكسية المتطرفة. ويعترف الحاخام لاو، الذي سافر على نفقة أوكتار، بأنه لم يبحث مع مساعديه في ماضي الداعية التركي قبل المقابلة. وكان لاو، الذي يرأس "مجلس ياد فاشيم" في القدس، قد فزع لسماع ماضي أوكتار المعادي للسامية. وأكد أن كل ما تحدثوا عنه كان سعي الشعب اليهودي إلى السلام.
قال أوكتار، وهو يشرح الأفكار التي تقف وراء دعوته إلى الحوار بين الأديان: "أحب اليهود كثيراً. أنا أحبهم كثيراً، لأنهم كانوا مخلصين للأنبياء موسى وإبراهيم وإسرائيل. إنهم ورعون، ويحبون الله كثيراً. أنا أعتبرهم مسلمين، لأنهم لا يكذّبون النبي محمد". ومع ذلك، فإن استعداد بعض السياسيين ورجال الدين الإسرائيليين على الأقل للظهور في برنامجه التلفزيوني وفي أحداث أخرى، تنبع من عنصر آخر في نظرته الدينية، وهو موقفه من المسجد الأقصى.
قال لي في رسالة لطيفة لـ "حركة أمناء جبل الهيكل الإسرائيلية"، من شخص يدعي التحدث باسم الإسلام: "المسيحيون واليهود والمسلمون. يمكن للجميع أن يتعبدوا هناك". ولا يكتفي أوكتار بدعم العبادة اليهودية على جبل الهيكل فقط، بل يؤيد إعادة بناء الهيكل. قال: "الأرض هناك كافية لذلك، سنبني بيت الصلاة للنبي سليمان هناك، وفي هذا القرن، إن شاء الله".
وعلى النقيض من الإسرائيليين الذين يسعدهم أن يكونوا ضيوفاً على أوكتار فإن الجالية اليهودية في إسطنبول لا تريد أي مساندة منه. بل إنهم يرفضون حتى التحدث عنه على الإطلاق. اعترف أوكتار في إشارة إلى السكان اليهود المحليين: "لا أعرف الكثير منهم"، لكنه أضيف في انتقاد واضح لدرجة "اليهودية" التي تتجلى في الجالية اليهودية التركية موضحاً أن لديه "أصدقاء جيدين جداً في إسرائيل من اليهود المتدينين حقاً. أحبهم لأنهم متدينون حقاً".
وبعد الحاخام لاو، ظهر العديد من الإسرائيليين الآخرين في البرنامج في السنوات الأخيرة، كان من بينهم عضو الكنيست يهودا غليك (الليكود)، ووزير الاتصالات أيوب قرا (الليكود)، وحاخامات من جميع فروع الأرثوذكسية، وكثير من أعضاء الكنيست السابقين. وحصلت هذه الزيارات المدفوعة التكاليف بالكامل على رغم التوصية القوية ضد العلاقات مع أوكتار من وزارة الخارجية الإسرائيلية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إيمانويل نحشون لصحيفة "هآرتس" معلقاً: "ينكر عدنان أوكتار المعروف أيضاً باسم هارون يحيى، محرقة الهولوكوست المعادية للسامية، ويحاول استخدام وسائل مخادعة تُشرع من قبل عناصر سياسية إسرائيلية. إن وزارة الخارجية ضد جميع العلاقات معه وحذرت من ذلك في مناسبات عديدة في الماضي".
أكد عضو الكنيست يعقوب مرغي (حزب شاس) أنه دُعي من قِبل أوكتار لمقابلة واحدة "كانت متعاطفة وودية مع إسرائيل"، كما قال. واعترف مرغي بأنه "لم يكن يعرف أنه شخصية مثيرة للجدل بسبب الآراء المريبة في ماضيه، وبالتأكيد إذا كنت على علم بهذه الأمور، لما كنت قد قبلت دعوته".
في المقابل، كان زميل عضو شاس ونائب وزير المالية الحالي إسحق كوهين أكثر حذراً. تمت دعوته للظهور في برنامج أوكتار قبل بضعة أعوام. قبل المقابلة، اتصل واجتمع مع ممثل السفارة الإسرائيلية في أنقرة للحصول على معلومات عن أوكتار وعمله. في أعقاب تلك المحادثة، قال كوهين إنه قام مباشرةً بتغيير وجهته وعاد إلى إسرائيل.
رفض وزير الاتصالات وهو درزي، والذي ذُكر من قبل بعض الإسرائيليين الذين ظهروا في برنامج أوكتار باعتباره الشخص الذي رتب لدعواتهم، الإجابة عن أسئلة من صحيفة "هآرتس" حول علاقاته مع زعيم الطائفة.
لا يبذل عضو الكنيست غليك، الناشط في جبل الهيكل، والذي حل ضيفاً في برنامج أوكتار خمس مرات، أي جهد لإخفاء أي شيء بما في ذلك استضافته ممثلي زعيم الطائفة في الكنيست. يقول غليك إنه كان على دراية بتحذيرات وزارة الخارجية، ولكنه فحص المسألة بنفسه ولم يجد شيئاً خطيراً أو غير مرغوب فيه في أسلوب أوكتار. وأوضح أنه وجد "علاقات ودية مع الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، ودعماً لحوار بناء بين الأديان".
وأكد متحدث باسم غليك إن عضو الكنيست التقى "شخصاً ودياً نشر العديد من المقالات، بما في ذلك في صحيفة "جيروزاليم بوست"، والتي تحتوي على تصريحات واضحة لدعم إسرائيل والتسامح الديني". وأخبرني غليك في محادثة ثانية أنه، وبعيداً من إشارة غير مباشرة في الماضي، لم يسمع أبداً عن ادعاءات الاستغلال الجنسي، ولم يذكرها مسؤولو وزارة الخارجية في معارضتهم.
بعد أتاتورك
لا تختلف طريقة الاستقطاب التي يستخدمها أوكتار لجذب الأتباع عن أسلوب الطوائف الأخرى في جميع أنحاء العالم، من خلال استغلال القادة "الكاريزميين" نقاط ضعف الشباب وأزمات الهوية. ولكن قد يكون أحد الجوانب فريداً من نوعه بالنسبة إلى الثقافة التركية: في المجتمع الذي شكله أتاتورك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فُرِضت الحداثة والعلمانية على المجتمع من الأعلى.
بالنسبة إلى البعض، حلت الهوية الوطنية التركية الجديدة محل الهوية الدينية التي نزعت منهم، وقد نجح آخرون في الحفاظ على تقاليدهم وممارسة شعائرهم سراً، لكن توجد في المقابل فئة تعرضت للتجاهل ولم يعرها أحدٌ أي اهتمام، مثل سيدات وأور، اللذين بقيا ملتزمين بنوع من الإسلام، خال من كل مضمون، وهم عينة عن الفئة التي يمكن اعتبارها فريسة سهلة لأوكتار، الذي يعرض روايته الخاصة للإسلام.
وبحسب ما أوضحت فوليا وسيدات، وكما تجلى من خلال المحادثات العشوائية مع الأتراك، لا أحد في تركيا يأخذ أوكتار على محمل الجد. المئات من الكتب، ومحطة التلفزيون، والمزاعم حول "الدولة العميقة" البريطانية، إضافة إلى الترويج لحوار بين الأديان واستضافة شخصيات إسرائيلية في الاستوديو، كل ذلك موجه إلى 200 أو 300 من الأتباع الذين يؤمنون برؤيته، وإلى السذج والنفوس الضعيفة التي يحاول إيقاعها في شباكه. وتُستخدم صور أوكتار برفقة السياسيين الإسرائيليين لإقناع فئة أخرى من الشباب الذين يمرون بأزمة، على أنه يقول الحقيقة.
وحتى الآن، لا يوجد دليلٌ على أن النساء اللواتي لا يزلن أعضاء "طائفة" أوكتار، قد خضعن بالفعل للاستغلال الذي وصفته فوليا وسيدات، وهي المزاعم التي ينفيها أوكتار ومساعدوه، ولا توجد أي طريقة عملية لتحديد عدد أتباعه المقتنعين حقاً بعقيدته من عدد المنضمين إليه بغرض تحقيق مكاسب شخصية.
في هذه الأثناء، يبدو أن أيام أوكتار كقائد طائفة قد أصبحت معدودة. وعكس الادعاءات التي تشير إلى علاقاته بأردوغان، تؤكد فوليا أن جميع القضاة الذين برأوا أوكتار أثناء قضية استئناف حكمه في 2010 هم الآن رهن الاعتقال. وهم متهمون بالحفاظ على علاقاتهم بفتح الله غولن المتهم من قبل أردوغان بالتخطيط للانقلاب الفاشل ضده في صيف عام 2016.
وسواء لم يعد أتباع أردوغان يعتقدون بجدوى استمرار العلاقة مع أوكتار، أو أنه أصبح منبوذاً بسبب علاقاته مع غولن (وفق تصريح فوليا)، أو لمجرد أن سلطات إنفاذ القانون التركية قد جمعت أدلة كافية لتجديد الإجراءات القانونية ضده- أياً كان السبب، يبدو أن أوكتار يواجه موجة ضغطٍ متصاعدةٍ. فقد فرضتْ "الهيئة المنظمة للإعلام في تركيا" عدداً من الغرامات على أوكتار، وألغت ترخيص البث عبر الأقمار الصناعية، وأوقفت بث برامج القناة A9 الفضائية. إضافة إلى ذلك، فإن السلطات التركية تمضي قدماً في مساعيها لإصدار تشريعٍ يستدعي حصول ترخيص من قبل شركات البث على شبكة الإنترنت- من أجل إسكاته تماماً، وفق ما هو مشاعٌ. وفي الوقت نفسه، قدم والد شابتين من أعضاء الطائفة شكوى ضد قائدها، أمام الشرطة وحصل على أمر تقييدي ضده.
فسر أوكتار بنفسه وبعبارات لا يرقى إليها الشك، أن كل هذه التطورات هي نتاج "مساندتي للشعب اليهودي".
في هذه الأثناء، يواصل أوكتار ومجموعته العمل، وتحافظ "شبكة الويب" في جميع الأوقات على مقاطع الزيارات المتكررة للوجهاء الإسرائيليين إلى "الشخصية الدينية التركية المهمة"، بحسب الوصف الذي أطلق عليه.
أو كما قال سيدات في اجتماعنا، بصوت الغضب المكبوت: "أردنا فقط أن نخبرك بما يحصل في الداخل، لأن ما نلاحظه لسوء الحظ، أن حكومتك ومسؤولين داخل حكومتك يساعدونه، مالياً وبطرق أخرى. وطالما استمروا في تلقي هذه المساعدات، سيستمرون في التواصل مع الشباب الجدد وتدمير عائلات جديدة".
عملت فوليا قبل ذلك كمُعلقة صحافية على الأحداث في تركيا والشرق الأوسط، واعتادت الظهور في كل من الصحف وفي برامج البث المباشر. وقد شغلت هذه الوظائف بينما كانت، ولأكثر من عقد من الزمن، عضواً في طائفة دينية جنسية يقودها شخص يُدعى عدنان أوكتار. ووفقاً لما صرحت به فوليا، فقد انتهجت في السنوات الأربع الماضية مهنتها كصحافية على رغم أنها كانت أسيرة للطائفه الفقهية، عقب محاولتها الفاشلة الأولى للهروب، إذ إنها اعتادت تحديد موعد مع طبيب في المستشفى لمحاولة الهروب، ولكن رجال أوكتار رصدوها وهي على وشك الدخول إلى المستشفى وأجبروها على ركوب سيارة. وبعدها احتجزت في غرفة في أحد مجمعات إسطنبول السكنية التي تملكها الطائفة، مُستكملة عملها في معظم الأحيان من طريق الحاسوب، وتخضع للمراقبة الشديدة، ولا تترك الغرفة إلا للمشاركة في أنشطة الطائفة.
تقول فوليا إنها تيقنت من أنها لن تتمكن أبداً من الفرار، طالما ظلت في مجمع الطائفة المركزي المُحاط بالأسوار، والذي يخضع لمراقبة شديدة. ولذلك، تشاجرت مراراً وتكراراً مع أوكتار، حتى أمر بنقلها مُنذ أقل من عام إلى مجمع سكني آخر يملكه. وهناك، وبعد أن استطاعت بعث رسالة إلى والدها، تمكنت من تدبير وسيلة للهروب. وفي لحظة متفق عليها مُسبقاً، ركضت إلى الفناء، لا تحمل سوى بطاقة الهوية الخاصة بها، مرتديةً ملابسها المنزلية، وركبت سيارة والدها التي انتظرتها في الخارج ولاذت بالفرار، بينما حاول العاملون في الطائفة الإمساك بها.
ووفقاً للقصة التي روتها فوليا وشريكها سِيدات (اسم مستعار)، الذي فر أيضاً من الطائفة منذ عامين، فإن شخصية أوكتار تُعد مزيجاً من الدعاة الإنجيليين الذين نراهم على شاشات التلفزيون الأميركي، وبين قائد لطائفة تدعو إلى ممارسة الجنس، الذين يُعارضون من حيث المبدأ إنجاب الأطفال للعالم. وقد كان الغطاء لكل ذلك هو تفسير فريد لتعاليم الإسلام.
جمع أوكتار الذي يبلغ من العُمر 62 عاماً- منذ أن بدأ دعوته لوجهة نظره عن العقيدة الإسلامية في إسطنبول عام 1980- مجموعة من الأصدقاء الأوفياء كما يسميهم، وصل عددهم إلى 300، والذين اتبعوه، بغض النظر عن الاتهامات التي أحاطت بهم، بأنهم خدعوا وتم التلاعب بعقولهم، وتعرضوا إلى الاستغلال الجنسي والاقتصادي.
بدأت تعاليمه الدينية في لفت الأنظار في تركيا وحول العالم منذ عام 2011 عندما بدأت قناته A9 في البث عالمياً (مصحوبة بالترجمة الإنكليزية). يُركز أوكتار على النشاطات الموجهة إلى حوار الأديان، والتي جعلته في رجال السياسة والحاخامات في إسرائيل، ولكنه عُرف في السنوات الأخيرة بسبب تفسيره الغطاء الذي يجب على المرأة ارتداءه وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي، وهو من وجهة نظره أي شيء، حتى أكثر الملابس الفاضحة مثل البيكيني. وأن الشرط الوحيد في رأيه هو تغطية حلمات الصدر ومنطقة الفخذ.
يوضح أوكتار عندما التقيت به في إسطنبول، في أوائل شهر شباط (فبراير)، قائلاً إن "المرأة من مظاهر إبداع الله. فهن يعتبرن الكائنات الأكثر جمالاً في العالم. فهن بمثابة عمل فني لا مثيل له من صنع الله. كما أنهن مخلوقات رائعات، ينبغي احترامهن وحبهن والاعتزاز بهن وحمايتهن على مدى حياتهن باعتبارهن نعمة.
أما عن الجزء الأشهر في عقيدته فهو "قططه" كما يسميها، وهن مجموعة من الشابات اللاتي يضعن الكثير من مستحضرات التجميل ويرتدين الملابس الضيقة والتصميمات الكاشفة، ويظهرن على برامجه التلفزيونية مستمعين بإنصات وإعجاب شديد إلى نصائحه الدينية عن الأوضاع الحالية. وفي الفواصل بين نصائحه، يرقصن مثل الروبوتات أمام الكاميرات. يقول أوكتار: "القطط حيوانات جميلة، والهرر أجمل. فهي مظهر من بديع خلق الله".
قادت مثل تلك التصرفات تجاه المرأة إلى التعريف بأوكتار في وسائل الإعلام العالمية، مع الإشارة إليه باعتباره رئيساً للطائفة المناصرة لحقوق المرأة ، أو طائفة الجنس الإسلامي. وركزت التقارير الاستقصائية الأخرى على ما وصفوه بطريقة عمله. استندت تلك التقارير إلى الدعاوى القضائية المرفوعة ضده، وشملت شهادات تفيد بأن أعضاء الطائفة استدرجوا الشابات للمشاركة في الطقوس المشينة المصورة وأفلام العربدة ومن ثم استخدام تلك التسجيلات لابتزازهن لطاعة أوامر أوكتار.
قدم سِيدات وفوليا - أعضاء الطائفة سابقاً- شهادات مُشابهة لتلك المقدمة أثناء المحاكمة. قال سِيدات في محادثة على أحد مقاهي إسطنبول– وهو لا يتحدث الإنكليزية، ولذلك ترجمت فوليا- أن أحد مهماته كذراع يمنى لأوكتار تمثلت في البحث عن الشابات واستدراجهن للانضمام إلى الطائفة. وأضاف قائلاً: "على سبيل المثال، تمر فتاة من هنا الآن، فاذهب لمقابلتها، ونصبح رفاق". لاحظ سِيدات وفوليا أن أوكتار يزود الشباب الذي يرسلهم لإغراء النساء بسيارة فارهة وشقق فخمة، وبذلك سيتمكنون من تقديم أنفسهم على أنهم رجال أعمال ناجحين.
وبعد أن يتم الاتصال، يُخبر الشاب المرأة أنه شخص معاصر، ومُتفتح ويُحب تجربة "أشياء أخرى" – بخاصة الجنس الجماعي- حتى تتأقلم الفتاة مع ذلك. وفي تلك الأثناء، أوضحت فوليا: "يقوم أحد الأشخاص بتسجيل فيلم لهم. وتعرف تلك الشابة أنها تُصور". وأضافت أنه بتلك الطريقة تتعرض الشابة لتجارب جنسية مع العشرات من الرجال المختلفين الذين يطلقون العنان لدفاعاتهم الذهنية الذاتية، وفي النهاية تأتي الشابة أمام أوكتار من دون أي اعتراضات، لأنه لا يوجد شيء يُمكن الاعتراض عليه عند تلك المرحلة.
وتابع سيدات متذكراً أنه كان يشعر بعدم الارتياح في الكثير من الأوقات بسبب تلك الأشياء الرهيبة التي يفعلها مع النساء. وفي تلك المواقف كان يتركهن، ويقول لأوكتار أن الفتاة هي من تركته. ولكن في معظم الحالات، "ولأنني كنت مُغيباً وعلى اقتناع بأن هذا الرجل يقودنا إلى الجنة، وأن الجميع في الخارج سيذهبون إلى الجحيم، كنت أعتقد أن ما أفعله ينقذهن من الشر، كنت أجبر نفسي على التفكير بهذه الطريقة".
ووفقاً لما ذكره أوكتار ومعاونوه، فإن لديه ما يقرب من 300 "صديق مخلص" يشاركون في أنشطته الدينية. ولكنهم يجزمون أن مذهبه الإسلامي الأسمى يصل إلى الملايين عبر قناته التلفزيونية وكتبه ومقالاته. إلا أن فوليا وسِيدات أكدا أن عدد أفراد الطائفة أقرب إلى 200 عضو منهم 40 إلى 50 من النساء. وقد ورد في تقرير استقصائي نُشر على موقع New Humanist عام 2009 عن الطائفة، أن "القطط" في الطائفة التي يترأسها أوكتار يقسمن الى جزءين وهن إما "أخوات" يمارسن الجنس مع أوكتار فقط، أو "خليلات" وهن من يتشارك فيهن أوكتار وباقي أفراد الطائفة والضيوف ممن يرغب أوكتار في التسجيل لهم متلبسين حتى يستطيع بسط نفوذه عليهم.
وعرضت فوليا وصفاً آخر لبنية الطائفة، قائلةً إنها مُتدرجة مثل طبقات البصلة. "إذ توجد نساء مثلي، يسموننا الأخوات. يمكننا المشاركة في أبحاثه، وأوراقه، وموقعه على الإنترنت، وكل ما يدعي فعله، وأولئك النسوة لسن بالضرورة جذابات. ومن النادر ظهورهن على التلفزيون. ولكن توجد مجموعة أخرى من النساء عادةً ما يظهرن معه في برنامجه التلفزيوني وهن جميلات حقاً. وكل ما عليهن فعله هو الاعتناء بأنفسهن والرقص أمام الكاميرات والتصوير، ويستخدمهن للدعاية وغير مسموح لهن بالحديث مع أحد. وربما يخبرهن أن تلك الأماكن خطرة ولذلك غير مسموح لهن بالتعامل مع الضيوف الخارجيين".
واستطردت قائلةً: "وهناك مجموعة أخرى. تستطيع تلك المجموعة من النساء كسب المال وتعطيه لأوكتار ويعشن في منازل أخرى. ويرونه مرتين أو ثلاثاً شهرياً. هن تابعات له ولكن لهن حياتهن الخاصة. ويستخدمهن مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض الدعاية لنشر كتبه. وعندما يكون هناك مؤتمر ويحتاج الأمر إلى ملء القاعة بالضيوف، تأتي أولئك النسوة".
أما عن قصة انضمام فوليا إلى الطائفة فهي تختلف عما قالته هي وسِيدات. كان أول اتصال لفوليا مع الطائفة وهي طالبة جامعية، مع أحد الشباب من رجال أوكتار. أخبرت وهي مُبتسمة: "ولكننا تقابلنا مرة واحدة فقط. وكان من المفترض أن يصبح صديقي الحميم. ولكنني تشاجرت معه في مقابلتنا الأولى. كنت عنيدة حتى في صغري".
"ذهب إلى أوكتار وأخبره أنه قابل فتاة جميلة وموهوبة لكنها صعبة الطباع. فطلب منه أوكتار أن يحضرها له وقابَلته". كانت تلك هي الطريقة التي قابلته فيها لأول مرة. وقالت إنه بعد تلك المقابلة صارت تذهب إلى مجمع أوكتار السكني يومياً ويتحدث إليها لأكثر من 6 ساعات. "كنا نتحدث عن الحياة، وعن كل شيء. وكان يقدم لي هدايا. ويعرّفني إلى صديقاته الأخريات. كنت أقضي وقتاً طيباً جداً هناك".
كان الخلل في عائلة فوليا هي نقطة الضعف التي استطاع منها أوكتار ضمها إلى الطائفة. تابعت فوليا: "كان كل ما ينقص عائلتي هو عدم وجود أبي. فقد كان دائم الانشغال، إذ إنه يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة كبيرة. كما كنت أعاني من مشكلات كبيرة مع أمي، أدى كل ذلك إلى وجود فراغ كبير في حياتي".
وبعد ثلاثة شهور من مقابلة أوكتار، "بدأت أشعر بأن هناك عائلة من الممكن أن أصبح جزءاً منها. وصرت أقضي المزيد من الوقت مع أصدقائه الإناث. وبدأت أزورهن في منازلهن. حتى اقترح أوكتار أن أنضم إليهن والعيش معهن. ومن ثم انتقلت مع صديقاته– وكان عمري آنذاك 23 عاماً- وبعدها بأربعة أشهر انتقلت للعيش في مجمعه السكني. ولم أتركه أبداً".
وأوضحت فوليا أن عملية الانضمام إلى الطائفة تدريجية، "يقومون بتدريبك على الإيمان ببعض الأشياء، (مثلاً إن فعلت هذا الشيء فإنك بذلك تخدم الله)، ويطلبون منك التحدث إلى صديقاتك حول هذه الأفكار، وإذا رفضت صديقتك تلك الأفكار، تبدأ تشعر فجأةً بأن هناك فجوة بينكما، وأن هذه الفجوة آخذة في الاتساع. في بداية الأمر يشكك أصدقائك في المعتقدات والأفكار التي تتحدث عنها. ولماذا تتبعين هؤلاء الأشخاص غريبي الأطوار؟ وماذا تفعل معهم؟ ولماذا تقوم بتغيير مظهرك؟ ولكن الأشخاص الذين في الطائفة لا يشككون فيك أبداً. إنهم يقدمون لك الدعم والصداقات السعيدة وحسب".
أكد سيدات وفوليا أن الضغط يُمارس على التابعين للطائفة لكي يشجبوا عائلاتهم علانيةً، ويعتبر ذلك أساساً حتى يقتنعوا هم أنفسهم بأنهم وحيدون في هذا العالم، بعيداً من الطائفة. وفقاً لما ذكرته فوليا، فإن أوكتار ضغط عليها لترتدي ملابس فاضحة وتخضع للتصوير مثل غيرها من النساء. "فقد كان يعلم أن تصويري بملابس استفزازية، سيزيد من اعتمادي على ذلك لصعوبة الحصول على وظيفة في ما بعد".
البث المباشر
لا يمانع أوكتار إجراء مقابلة مع صحافي إسرائيلي، كما أنه مستعد للإجابة على كل الأسئلة (ترجم أحد المترجمين لغته التركية إلى اللغة الإنكليزية من أجلي) – لكن فقط من خلال المقابلات الحية على قناته التلفزيونية. يقع الاستوديو الذي نُقِلت إليه في أحد مراكز الطائفة على الجانب الآسيوي من إسطنبول، وهو مبنى منخفض، مُحاط بجدار وبكاميرات المراقبة الأمنية. وبعد عبور ممر مفروش بالمخمل، أُخِذ الضيف القادم من إسرائيل إلى الاستوديو. جلس أوكتار على المنصة، مرتدياً ملابس داكنة بأطراف ذهبية، بوجهه العريض وعينيه الصغيرتين الحادتين إضافة إلى نتوء هائل يُغطي جزءاً كبيراً من ساقه اليُسرى– وهو فتق أُرْبيّ لم يتمكن الثوب الخارجي الطويل من إخفائه وبدا كما لو كان سينفجر في أي لحظة.
ورداً على أسئلتي التي تتعلق بغسيل المخ، والمراقبة المستمرة، والسجن، وما إلى ذلك، أجاب قائلاً إن الأشخاص الذين يتهمونه في الوقت الحالي: "بقوا معنا ربما 20 عاماً. ولكن في النهاية تفهموا أنهم لن يتمكنوا من الحصول على أي مكاسب مالية من ورائنا، ثم بدأوا بعدها في سرد هذه الأكاذيب. فإذا كان ما قالوه حقيقياً، لماذا بقوا معنا لمدة 20 سنة؟".
وبعد البث، ومن دون إخبار أوكتار أو موظفيه، أرسلت المتحدثة باسمه إليّ مقاطع فيديو على الفور تظهر فيها فوليا ممتدحة أوكتار لمواقفه مع النساء وبوجه عام. كما يشعر المتحدثون باسمه أيضاً بسعادة لإظهار شهادة حُسن السير والسلوك التي حصل عليها من الشرطة، والتي تنص على أنه ليس لديه سجل جنائي. ومع ذلك، يقر بأنه تورط مع السلطات خلال ثمانينات القرن الماضي، كما أنه سُجن مرتين– مرة بسبب حيازة الكوكايين والمرة الثانية بسبب نشره لمواد دينية محظورة. (كانت تركيا خلال هذا التوقيت علمانية بالإكراه). ومع ذلك، قال، وأيضاً بحسب شهادة الشرطة التي يعرضها، إن هذه الإدانات قد أُسقطت.
كما أنكر أوكتار بشدة وجود أشرطة فيديو للابتزاز، أو أي حفلات جنس جماعي. وقال: "إذا كان هناك أي شيء من هذا، لماذا لا يقدمونها إلى السلطات القانونية؟ تعتبر هذه المزاعم متضاربة ومنافية للمنطق. إنهم يطلقون هذه المزاعم على مدار الـ20 أو 25 عاماً الماضية، ولم نرَ أي وثائق تتعلق بذلك من قبل". كما أضاف باقتناع: "فتشت الشرطة هذا المكان] أيضاً"
ومع ذلك، لم تتوقف ردود أوكتار على متهميه والتهم الموجهة إليه عند هذا الحد. إذْ يزعم أنهم "عندما فشلوا في الحصول على أي مال من ورائنا، حصلوا على أموال من جواسيس الدولة العميقة في بريطانيا. وهم يفعلون في الوقت الحالي كل الأشياء التي يطلبها منهم هؤلاء الجواسيس. يُطلب منهم الافتراء، وهو ما يقومون به بالفعل... ولدينا الكثير الوثائق التي تثبت أنهم يخضعون حالياً لسيطرة الدولة العميقة في بريطانيا".
فما الذي يعنيه مصطلح "الدولة العميقة" في بريطانيا؟ بالنسبة إلى هؤلاء الذين ليسوا على دراية بنظريات المؤامرة التي تدور في الزوايا المظلمة من الشبكة، يلتقط أوكتار كتاباً ضخماً– أول مجلد نشره عن الدولة العميقة، الشبكة السرية التي تدير العالم بالفعل. وتبعه مجلد ثان (كلاهما باللغة التركية والإنكليزية)، مع ترقب إصدار مجلد ثالث في الطريق.
أوكتار: "هناك هيكل للدولة العميقة في إنكلترا يضم جهاز الاستخبارات البريطاني الذي يُعرف باسم MI6 وهي وكالة تجسس أيضاً. وهو يتألف من زهاء 300 شخص، ويقوده شخص كبير في السن. فهو ذلك الشخص الذي أشار إليه البابا على أنه "شخص لا تمكن هزيمته". وسمعت كل وسائل الإعلام حديث البابا عنه بالتفصيل مؤخراً. وفي الوقت الحالي، أطلقت هذه الدولة بالغة العمق في بريطانيا حملة ضدنا. وجاء رجالهم، هؤلاء الذين يحظون بدعم من الدولة العميقة في بريطانيا، وكل الأسماء المهمة في جهاز الاستخبارات البريطاني، إلى تركيا مؤخراً. كما جاءت أيضاً السيدة التي ترأس جهاز الاستخبارات البريطاني MI6، والتقوا العديد من الأشخاص للتحدث عنّا، لإقناعهم بالبدء في عملية شرطية ضدنا".
وفي مقاطع فيديو تتعلق بهذا الموضوع، والتي كان من الممكن مشاهدتها على يوتيوب حتى أعربت صحيفة "هآرتس" عن اهتمامها بها، أوضح أوكتار لأتباعه كيف أن "الدولة العميقة" في بريطانيا أوصلت هتلر إلى السلطة. ويسأل، مشيراً إلى العلاقات الأسرية بين كبار الضباط النازيين والبيت الملكي البريطاني: "هل تلاحظون العلاقات الحميمة بين هتلر والعائلة الملكية في بريطانيا؟ وهل تلاحظون كيف أنهم يضعون هتلر في أعلى المراتب؟" وتابع قائلاً: "في بادئ الأمر، أوصلوا هتلر إلى السلطة، وبعدها أحرقوا عدداً لا يُحصى من الأشخاص في ألمانيا". لقد شاركوا في ارتكاب هذا الفظائع باسم الشيطان، كما أكد، مضيفاً أن كل مسلم يجب أن يصلي من أجل مجيء يسوع، المهدي والمسيح لكي يتصدى لهذه المؤامرة.
ولا تقتصر فائدة هذه النظرية لأوكتار على تقديم تاريخ بديل للحرب العالمية الثانية فقط. إذ اعتبر عملاء الشيطان أنفسهم ممن يعملون لمصلحة ملكة بريطانيا مسؤولين عن إنشاء الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية CIA، على حد قوله. وزعم من خلال برنامجه، وكأنه على علم مسبق: "في الواقع، تأسس الموساد على يد السير ويليام ستيفنسون (مسؤول التجسس البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية)، والمعروف بأنه اليد اليُمنى لملكة بريطانيا"، وأضاف: "لقد كانت الدولة العميقة في بريطانيا وراء وضع حدود إسرائيل".
إن موضوع الدولة العميقة يشغل مكاناً مركزياً في أحاديثه التلفزيونية، التي تم بثها يومياً على مدار سنوات على محطته التلفزيونية الفضائية في إطار لا يهدف إلى الربح. كما تتضمن مساعي أوكتار الفكرية أيضاً نشر أكثر من 300 كتاب منذ عام 1987 في مختلف الموضوعات، "بعشرات اللغات" على حد قوله.
وتركز موضوعاته التي تحتل الصدارة في الوقت الحالي، والتي تم التعبير عنها من خلال محتوى نُسِخ من مواقع أشخاص آخرين، وفق ما يقول النقاد، على التحذيرات من التفسير الداعشي للإسلام، والحاجة إلى خلق حوار بين الأديان – مع التأكيد على العلاقات مع الشخصيات السياسية والدينية الإسرائيلية – ومقاومة "الدولة العميقة" في بريطانيا.
وفقاً لأطروحة الدكتوراه الوحيدة حتى الآن التي تدور حول طائفة أوكتار، والتي قدمتها باحثة تُدعى آن روس سولبيرغ (نُشِرت، باللغة الإنكليزية، بعنوان "المهدي يرتدي أرماني" The Mahdi Wears Armani، من قبل قسم الأدب، وتاريخ الأفكار، والدين في جامعة "غوتنبرغ" السويدية)، نشأ أوكتار في أسرة علمانية من الطبقة المتوسطة في أنقرة، ووصل إلى إسطنبول عام 1979 ليلتحق بكلية الفنون. وفي خِضمّ الأجواء السياسية المشحونة للغاية في المدينة أوائل الثمانينات من القرن الماضي، بدأ العمل لكن سُرعان ما شعر بالضجر من فصول الديكور الداخلي التي كان يحضرها، وبدأ إلقاء خطابات ضد نظرية داروين عن التطور وضد الماسونيين الأحرار. والتفت حوله مجموعة صغيرة من الطلاب، وأصبحوا الأساس الذي قامت عليه "طائفته الدينية". وجنّد هؤلاء الأتباع الأوائل أعضاء جدداً في الطائفة، مع التأكيد على الأعضاء المرموقين من النخبة العالمية في اسطنبول.
وبعد سنوات قليلة، في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، قال سولبيرغ، إن أوكتار بدأ جذب انتباه السلطات بعد حوار أجرته معه إحدى الصحف، كانت السلطات في ذلك الوقت تدافع عن "علمانية" تركيا بقبضة من حديد. ووُجِهَت إليه اتهامات بنشر "دعاية دينية" وحُكِم عليه بالسجن لمدة 19 شهراً، وقضى جزءاً من المدة في قسم الأمراض النفسية.
ومع ذلك، لم يرتدع أوكتار بالمواجهات مع السلطات القائمة. فبعد إطلاق سراحه، بدأ هو وأتباعه عقد الاجتماعات في الفيلات والمقاهي داخل أحياء إسطنبول الأكثر تناغماً، حيث، طبقاً للتقارير التي استندت إليها سولبيرغ، دعا إلى مبادئه المعادية للتطور، والماسونيين الأحرار واليهود. كما تعتبر "اليهودية والماسونية" أيضاً عنواناً لأول كتبه، التي نشرت تحت اسم مستعار هارون يحيى، عام 1987 – وهو أول الدروب العديدة المعادية للسامية التي سلكها بعد ذلك بالاسم ذاته.
وينكر أوكتار كتابة هذه الكتب، سواء تحت اسمه الحقيقي أو اسمه المُستعار. وفي هذه الحالة، من هو المؤلف؟ أخبرني قائلاً: "صديق لنا، يُدعى نوري". ولماذا كتبها؟ "لأنه أثناء هذه الأوقات، اعتقد الناس أن اليهود كذلك. واستمتعت تركيا بأكملها بأفكار كهذه. واعتقدوا أن اليهود سيضعون الناس داخل صناديق، وسيتسببون في نزفهم الدماء، من أجل أن يستخدموا هذه الدماء لإعداد الخبز ومن ثم أكله. وبعبارة أخرى، تم تصوير اليهود على أنهم متوحشون إلى حد كبير وعلى أنه أُناس همجيون. وربما تأثر نوري بهذا الخطاب. اعتقد الجميع بذلك. فقد تم تصوير اليهود على أنهم أُناس همجيون خُلِقوا للقمع، وينبغي قتلهم حيثما وجدوا. ولكني أوضحت للجميع أن هذا غير صحيح".
طبقاً لأطروحة سولبيرغ، في تسعينيات القرن الماضي، بدأ أوكتار ومساعدوه شراء العقارات في مدن المنتجعات الفاخرة على طول بحر مرمرة، حيث واصلوا مساعيهم في تجنيد الناس كذلك، وركزوا على جيل الشباب الميسور. ولكن أوكتار لم يستهدف فقط الشباب الأثرياء، وفق ما ذكر سِدات. وقال عضو الطائفة السابق: "إن هذا الرجل يحتاج إلى جميع أصناف البشر. فهو يبحث عن أشخاص للعمل، فيمكنه استغلالهم على الأرض، ويحتاج إلى هؤلاء الذين يقرأون العديد من الكتب، والذين يمكنه استغلالهم في كتابة كتبه".
ووفقاً لما ذكره سِدات، هناك شيء واحد يستطيع أوكتار القيام به "بشكل جيد للغاية، وربما يكون الأفضل في العالم: إنه يعرف كيفية استغلال الناس، كما يعرف كيفية تحديد الأشخاص الذين يمكنه استغلالهم".
فما هو نوع الحياة التي يحياها الرجال في هذه الطائفة؟
ينتمي بعضهم إلى النخبة العلمانية في إسطنبول، في حين ينتمي البعض الآخر، مثل سِدات، إلى الأسر الفقيرة، وتم تجنيدهم من أجل مواهبهم. وحتى لحظة ترك سِدات الطائفة، كان واحداً من الأشخاص الذين يساعدون أوكتار ويرافقونه بصفة يومية، بينما يحيا البعض الآخر حياة منفصلة. أوصلني أور، وهو شخص ضخم مبتسم ذو لحية في الخمسينات من عمره، ولديه شعر داكن على شكل ذيل حصان، إلى المجمع لإجراء حوار مع أوكتار. يعمل هذا الشخص معه منذ ما يزيد على 30 عاماً، كما ذكر. وهو يمتلك شركة بناء، ولكنه يعمل في وقت فراغه كمتطوع في منظمات أوكتار العديدة، ومن بينها المحطة التلفزيونية. وأوضحت بطاقته التعريفية في قناة A9 أنه منتج هناك. وقال مبتسماً "كمتطوع".
وأنكر أوكتار المزاعم المذكورة في التحقيقات الاستقصائية، التي سمعتها أيضاً من فوليا وسِدات، والتي تشير إلى أن أصدقاءه يحولون الجزء الأكبر من دخلهم إليه حتى يتمكن من تمويل مشروعه التبشيري ويستمر في الحفاظ على أسلوب حياته المُترف. وأكدت المتحدثة باسمه أن نشاطه يُموّل فقط من طريق التبرعات الطوعية.
وفي رد على أحد التساؤلات من صحيفة "هآرتس"، أعلن أوكتار أنه لا يمتلك "شيئاً، فليس لدي أي مال، سواء في تركيا، أو أي بلد آخر، لا أمتلك شيئاً. كما ليست لدي أي ممتلكات، أو أي مال، أو أي شيء. فأنا أنفق كل ما أحصل عليه، في سبيل الله. وأقوم بتوزيع المال على الفور".
مداهمة الشرطة
في التسعينات، قرّر أوكتار القيام بثورته في فهمه للإسلام، وتخلت نساء الطائفة عن ملابسهن المحتشمة من أجل ارتداء ملابس كاشفة صُنعت من قِبل مصممي أزياء إيطاليين. كان هذا التحول جزءاً من عملية تغيير الصورة التي خضعت لها الطائفة- ربما بسبب الخوف من الضغط من جانب السلطات- والتي تجلت في تقليص العنصر الديني في الوعظ وتأكيد القومية التركية بشكل أكبر.
عام 1999، بدأت سلطات الدولة تحقيقاً واسع النطاق حول أوكتار وأتباعه. داهم مئات من ضباط الشرطة الممتلكات الثمانية والثلاثين التي تملكها منظمته، وألقت القبض عليه مع أعضاء من الطائفة. واستشهدت لائحة الاتهام بتفاصيل عن الابتزاز الجنسي الذي تمارسه الطائفة لتجنيد أعضاء جدد، بما في ذلك حفلات الجنس المصورة. أمضى أوكتار تسعة أشهر في السجن في انتظار المحاكمة، مع إصراره في الوقت نفسه على براءته، وادعائه بأنه تعرض للتعذيب أثناء وجوده في الحجز. وادعى أن الدلائل التي حصلت عليها الشرطة جُمعت بطريقة غير مشروعة. وبالفعل، قام معظم الشهود بسحب شكواهم في ما بعد، وأسقطت النيابة تهمها.
وبعيداً من ردعهم بواسطة الدعاوى القانونية، فقد قرر أوكتار وزملاؤه التوسع. اكتشفوا أنهم يستطيعون نشر عقيدتهم من طريق الإنترنت. وكما تشير سولبيرغ إلى حدوث التحول العقائدي التالي في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة. ولقد تخلت الطائفة عن معاداتها للسامية، وشرعت في مسار جديد، يدعو إلى الإسلام المتسامح والحاجة إلى حوار بين الأديان. وقد أتاح النهج الجديد، إلى جانب صعود "حزب العدالة والتنمية" التابع له أردوغان إلى السلطة، والذي ألغى القيود القانونية على التبشير الديني، المزيد من حرية العمل للطائفة في القرن الجديد.
وأكدت سولبيرغ أن الطائفة ازدهرت اقتصادياً على نطاق غير مسبوق بفضل علاقتها مع حزب أردوغان، والذي أعطى الشركات المملوكة لأعضاء الطائفة الوصول إلى العديد من العقود العامة. ومع ذلك، في عام 2008، أعادت النيابة العامة فتح القضية ضد أوكتار، وبعد إدانته بتأسيس منظمة غير قانونية لتحقيق مكاسب شخصية، حُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات. استأنف القرار، وعام 2010 أُسقطت جميع التهم.
مع تلاشي التهديد القانوني، انتقل أوكتار إلى المرحلة التالية لنشر مذهبه التي تضمنت إنشاء محطة تلفزيونية.
عام 2011، بدأت قططه الصغيرة "kittens" في لعب دور رئيسي في صورته العامة. إضافة إلى ذلك، تحرك أوكتار لتعزيز سمعة الطائفة على الصعيد الدولي. على هذا النحو، نجح في جلب السياسيين من جمهوريات البلقان، والسياسيين، والحاخامات من إسرائيل ليظهروا في برنامجه الحواري. كانت المتحدثة باسمه مسرورة بتزويدي بقائمة تضم عشرات الشخصيات العامة الإسرائيلية التي يُقال إنها شاركت في البرنامج.
في خريف عام 2011، كان أحد أوائل الضيوف الإسرائيليين، الحاخام الأكبر السابق الأشكنازي، والحائز جائزة إسرائيل التقديرية، إسرائيل مئير لاو. أخبرني لاو أنه حضر البرنامج مرة واحدة، من خلال وساطة صحافي مخضرم في مجلة Bamishpacha، الدينية الأرثوذكسية المتطرفة. ويعترف الحاخام لاو، الذي سافر على نفقة أوكتار، بأنه لم يبحث مع مساعديه في ماضي الداعية التركي قبل المقابلة. وكان لاو، الذي يرأس "مجلس ياد فاشيم" في القدس، قد فزع لسماع ماضي أوكتار المعادي للسامية. وأكد أن كل ما تحدثوا عنه كان سعي الشعب اليهودي إلى السلام.
قال أوكتار، وهو يشرح الأفكار التي تقف وراء دعوته إلى الحوار بين الأديان: "أحب اليهود كثيراً. أنا أحبهم كثيراً، لأنهم كانوا مخلصين للأنبياء موسى وإبراهيم وإسرائيل. إنهم ورعون، ويحبون الله كثيراً. أنا أعتبرهم مسلمين، لأنهم لا يكذّبون النبي محمد". ومع ذلك، فإن استعداد بعض السياسيين ورجال الدين الإسرائيليين على الأقل للظهور في برنامجه التلفزيوني وفي أحداث أخرى، تنبع من عنصر آخر في نظرته الدينية، وهو موقفه من المسجد الأقصى.
قال لي في رسالة لطيفة لـ "حركة أمناء جبل الهيكل الإسرائيلية"، من شخص يدعي التحدث باسم الإسلام: "المسيحيون واليهود والمسلمون. يمكن للجميع أن يتعبدوا هناك". ولا يكتفي أوكتار بدعم العبادة اليهودية على جبل الهيكل فقط، بل يؤيد إعادة بناء الهيكل. قال: "الأرض هناك كافية لذلك، سنبني بيت الصلاة للنبي سليمان هناك، وفي هذا القرن، إن شاء الله".
وعلى النقيض من الإسرائيليين الذين يسعدهم أن يكونوا ضيوفاً على أوكتار فإن الجالية اليهودية في إسطنبول لا تريد أي مساندة منه. بل إنهم يرفضون حتى التحدث عنه على الإطلاق. اعترف أوكتار في إشارة إلى السكان اليهود المحليين: "لا أعرف الكثير منهم"، لكنه أضيف في انتقاد واضح لدرجة "اليهودية" التي تتجلى في الجالية اليهودية التركية موضحاً أن لديه "أصدقاء جيدين جداً في إسرائيل من اليهود المتدينين حقاً. أحبهم لأنهم متدينون حقاً".
وبعد الحاخام لاو، ظهر العديد من الإسرائيليين الآخرين في البرنامج في السنوات الأخيرة، كان من بينهم عضو الكنيست يهودا غليك (الليكود)، ووزير الاتصالات أيوب قرا (الليكود)، وحاخامات من جميع فروع الأرثوذكسية، وكثير من أعضاء الكنيست السابقين. وحصلت هذه الزيارات المدفوعة التكاليف بالكامل على رغم التوصية القوية ضد العلاقات مع أوكتار من وزارة الخارجية الإسرائيلية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إيمانويل نحشون لصحيفة "هآرتس" معلقاً: "ينكر عدنان أوكتار المعروف أيضاً باسم هارون يحيى، محرقة الهولوكوست المعادية للسامية، ويحاول استخدام وسائل مخادعة تُشرع من قبل عناصر سياسية إسرائيلية. إن وزارة الخارجية ضد جميع العلاقات معه وحذرت من ذلك في مناسبات عديدة في الماضي".
أكد عضو الكنيست يعقوب مرغي (حزب شاس) أنه دُعي من قِبل أوكتار لمقابلة واحدة "كانت متعاطفة وودية مع إسرائيل"، كما قال. واعترف مرغي بأنه "لم يكن يعرف أنه شخصية مثيرة للجدل بسبب الآراء المريبة في ماضيه، وبالتأكيد إذا كنت على علم بهذه الأمور، لما كنت قد قبلت دعوته".
في المقابل، كان زميل عضو شاس ونائب وزير المالية الحالي إسحق كوهين أكثر حذراً. تمت دعوته للظهور في برنامج أوكتار قبل بضعة أعوام. قبل المقابلة، اتصل واجتمع مع ممثل السفارة الإسرائيلية في أنقرة للحصول على معلومات عن أوكتار وعمله. في أعقاب تلك المحادثة، قال كوهين إنه قام مباشرةً بتغيير وجهته وعاد إلى إسرائيل.
رفض وزير الاتصالات وهو درزي، والذي ذُكر من قبل بعض الإسرائيليين الذين ظهروا في برنامج أوكتار باعتباره الشخص الذي رتب لدعواتهم، الإجابة عن أسئلة من صحيفة "هآرتس" حول علاقاته مع زعيم الطائفة.
لا يبذل عضو الكنيست غليك، الناشط في جبل الهيكل، والذي حل ضيفاً في برنامج أوكتار خمس مرات، أي جهد لإخفاء أي شيء بما في ذلك استضافته ممثلي زعيم الطائفة في الكنيست. يقول غليك إنه كان على دراية بتحذيرات وزارة الخارجية، ولكنه فحص المسألة بنفسه ولم يجد شيئاً خطيراً أو غير مرغوب فيه في أسلوب أوكتار. وأوضح أنه وجد "علاقات ودية مع الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، ودعماً لحوار بناء بين الأديان".
وأكد متحدث باسم غليك إن عضو الكنيست التقى "شخصاً ودياً نشر العديد من المقالات، بما في ذلك في صحيفة "جيروزاليم بوست"، والتي تحتوي على تصريحات واضحة لدعم إسرائيل والتسامح الديني". وأخبرني غليك في محادثة ثانية أنه، وبعيداً من إشارة غير مباشرة في الماضي، لم يسمع أبداً عن ادعاءات الاستغلال الجنسي، ولم يذكرها مسؤولو وزارة الخارجية في معارضتهم.
بعد أتاتورك
لا تختلف طريقة الاستقطاب التي يستخدمها أوكتار لجذب الأتباع عن أسلوب الطوائف الأخرى في جميع أنحاء العالم، من خلال استغلال القادة "الكاريزميين" نقاط ضعف الشباب وأزمات الهوية. ولكن قد يكون أحد الجوانب فريداً من نوعه بالنسبة إلى الثقافة التركية: في المجتمع الذي شكله أتاتورك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فُرِضت الحداثة والعلمانية على المجتمع من الأعلى.
بالنسبة إلى البعض، حلت الهوية الوطنية التركية الجديدة محل الهوية الدينية التي نزعت منهم، وقد نجح آخرون في الحفاظ على تقاليدهم وممارسة شعائرهم سراً، لكن توجد في المقابل فئة تعرضت للتجاهل ولم يعرها أحدٌ أي اهتمام، مثل سيدات وأور، اللذين بقيا ملتزمين بنوع من الإسلام، خال من كل مضمون، وهم عينة عن الفئة التي يمكن اعتبارها فريسة سهلة لأوكتار، الذي يعرض روايته الخاصة للإسلام.
وبحسب ما أوضحت فوليا وسيدات، وكما تجلى من خلال المحادثات العشوائية مع الأتراك، لا أحد في تركيا يأخذ أوكتار على محمل الجد. المئات من الكتب، ومحطة التلفزيون، والمزاعم حول "الدولة العميقة" البريطانية، إضافة إلى الترويج لحوار بين الأديان واستضافة شخصيات إسرائيلية في الاستوديو، كل ذلك موجه إلى 200 أو 300 من الأتباع الذين يؤمنون برؤيته، وإلى السذج والنفوس الضعيفة التي يحاول إيقاعها في شباكه. وتُستخدم صور أوكتار برفقة السياسيين الإسرائيليين لإقناع فئة أخرى من الشباب الذين يمرون بأزمة، على أنه يقول الحقيقة.
وحتى الآن، لا يوجد دليلٌ على أن النساء اللواتي لا يزلن أعضاء "طائفة" أوكتار، قد خضعن بالفعل للاستغلال الذي وصفته فوليا وسيدات، وهي المزاعم التي ينفيها أوكتار ومساعدوه، ولا توجد أي طريقة عملية لتحديد عدد أتباعه المقتنعين حقاً بعقيدته من عدد المنضمين إليه بغرض تحقيق مكاسب شخصية.
في هذه الأثناء، يبدو أن أيام أوكتار كقائد طائفة قد أصبحت معدودة. وعكس الادعاءات التي تشير إلى علاقاته بأردوغان، تؤكد فوليا أن جميع القضاة الذين برأوا أوكتار أثناء قضية استئناف حكمه في 2010 هم الآن رهن الاعتقال. وهم متهمون بالحفاظ على علاقاتهم بفتح الله غولن المتهم من قبل أردوغان بالتخطيط للانقلاب الفاشل ضده في صيف عام 2016.
وسواء لم يعد أتباع أردوغان يعتقدون بجدوى استمرار العلاقة مع أوكتار، أو أنه أصبح منبوذاً بسبب علاقاته مع غولن (وفق تصريح فوليا)، أو لمجرد أن سلطات إنفاذ القانون التركية قد جمعت أدلة كافية لتجديد الإجراءات القانونية ضده- أياً كان السبب، يبدو أن أوكتار يواجه موجة ضغطٍ متصاعدةٍ. فقد فرضتْ "الهيئة المنظمة للإعلام في تركيا" عدداً من الغرامات على أوكتار، وألغت ترخيص البث عبر الأقمار الصناعية، وأوقفت بث برامج القناة A9 الفضائية. إضافة إلى ذلك، فإن السلطات التركية تمضي قدماً في مساعيها لإصدار تشريعٍ يستدعي حصول ترخيص من قبل شركات البث على شبكة الإنترنت- من أجل إسكاته تماماً، وفق ما هو مشاعٌ. وفي الوقت نفسه، قدم والد شابتين من أعضاء الطائفة شكوى ضد قائدها، أمام الشرطة وحصل على أمر تقييدي ضده.
فسر أوكتار بنفسه وبعبارات لا يرقى إليها الشك، أن كل هذه التطورات هي نتاج "مساندتي للشعب اليهودي".
في هذه الأثناء، يواصل أوكتار ومجموعته العمل، وتحافظ "شبكة الويب" في جميع الأوقات على مقاطع الزيارات المتكررة للوجهاء الإسرائيليين إلى "الشخصية الدينية التركية المهمة"، بحسب الوصف الذي أطلق عليه.
أو كما قال سيدات في اجتماعنا، بصوت الغضب المكبوت: "أردنا فقط أن نخبرك بما يحصل في الداخل، لأن ما نلاحظه لسوء الحظ، أن حكومتك ومسؤولين داخل حكومتك يساعدونه، مالياً وبطرق أخرى. وطالما استمروا في تلقي هذه المساعدات، سيستمرون في التواصل مع الشباب الجدد وتدمير عائلات جديدة".