رسائل ميدانية ودبلوماسية تحبس الأنفاس
يأتي يوم الخميس محمّلًا بجرعة عالية من الترقب السياسي والأمني، مع تزامن استثنائي بين اجتماع "الميكانيزم "صباحًا وتقرير الجيش اللبناني الثالث والأخير لهذا العام أمام مجلس الوزراء عصرًا في قصر بعبدا.
هذا التزامن المضغوط بالمضامين والمواعيد لا بل المهل المسقِطة، يعكس مسارًا متسارعًا في ملف حصرية السلاح، خصوصًا في منطقة جنوب الليطاني، حيث يتقاطع الميداني مع الدبلوماسي وتتقدّم الوقائع على الأرض على كل ما عداها. فالاجتماع المرتقب للميكانيزم سيُعقد بوجود الموفدة الأميركية مورغان أورْتاغوس، التي تعود إلى بيروت مباشرة من تل أبيب بعدما عقدت اجتماعات بالغة الأهمية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس، ما يمنح مشاركتها في "الميكانيزم" طابعًا استثنائيًا ويضعه في خانة الاجتماعات التي تسبق عادة محطات مفصلية.
اللافت أن الجيش قرّر استباق تقريره الرسمي أمام مجلس الوزراء برسالة عملية على الأرض، عبر تنظيم جولة ميدانية لوسائل الإعلام في منطقة جنوب الليطاني، وتحديدًا في وادي زبقين، وهي نقطة لطالما ارتبط اسمها بانتشار سلاح "حزب الله" وكثافة النشاط العسكري. ويبدو أن اختيار هذه المنطقة كان مقصودًا، وإشارة واضحة إلى أن المؤسسة العسكرية تريد تقديم دليل محسوس على ما أنجزته قبل أن تضع النقاط على الحروف في تقريرها الثالث، الذي تُرجّح مصادر معنيّة أن يتضمّن إعلانًا بانتهاء الجيش من تنفيذ معظم المهام الموكلة إليه جنوب الليطاني، باستثناء المناطق التي تحتلّها إسرائيل حيث لا قدرة تنفيذية للبنان. وفي حال صحّت هذه التقديرات، فإن التقرير سيفتح الباب أمام الإعلان عن بدء المرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، وهو تطوّر كبير سيعيد رسم الخريطة الأمنية اللبنانية في اتجاه جديد.
في موازاة هذه المعطيات، يطرح كثيرون سؤالًا أساسيًا عن السبب وراء عدم طلب أورْتاغوس أي مواعيد رسمية في بيروت، رغم أهمية موقعها في الآلية الأمنية الجاري العمل بها. الجواب، وفق مطّلعين، أن البعد السياسي للملف تتولاه واشنطن عبر سفيرها في بيروت ميشال عيسى، الذي يُدير قناة التواصل مع المؤسسات الرسمية، وأن الدور التقني – الأمني الذي تضطلع به أورْتاغوس لا يفترض لقاءات سياسية مباشرة. وفي حال لم تعقد أي لقاءات مع القيادات اللبنانية، فإن السفير عيسى سيكون الجهة التي ستتولى نقل الموقف الإسرائيلي كما خرجت به اجتماعات تل أبيب، وشرح مسار النقاشات ضمن الميكانيزم وحدود ما هو ممكن وغير ممكن في المرحلة المقبلة.
وفي موازاة الحركة الأميركية – الإسرائيلية، تستعد بيروت لاستقبال دفعة جديدة من الوساطات العربية، مع ترجيحات قوية بوصول وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الساعات المقبلة، في سياق مسعى قطري متجدّد يُستكمل مع الجهد المصري، هدفه الأكبر منع أي انفلات أو تصعيد قد يطيح بكل التفاهمات التي تُبنى خطوة خطوة. وتأتي الحركة القطرية في لحظة دقيقة، حيث يشتد الاشتباك بين المسارات الأمنية والسياسية، فيما تنتظر الساحة اللبنانية ما ستؤول إليه خلاصات يوم الخميس، بما يحمله من مواعيد ليست متزامنة فقط، بل متقاطعة في دلالاتها ونتائجها المحتملة