لبنان والنفايات: بين الفوضى المطمرية وإمكانية إعادة التدوير
منذ سنوات طويلة وملف النفايات في لبنان يدور في حلقة مفرغة، إذ لم تنجح الدولة في بلورة رؤية مستدامة وواضحة لمعالجة هذا التحدّي الذي يمسّ صحة المواطنين وبيئتهم بشكل مباشر.
فالحلول التي اعتُمدت كانت بمعظمها ترقيعية وطارئة، أبرزها الاعتماد على المطامر البحرية التي تحوّلت بمرور الوقت من إجراء موقت إلى سياسة شبه ثابتة، رغم ما تخلّفه من أضرار على البحر والهواء والموارد الطبيعية.
وفي موازاة هذا الواقع، لمع في مراحل معيّنة الحديث عن إعادة التدوير والفرز من المصدر، وشهدت بعض المناطق مبادرات نوعية أثبتت أن إمكانية النجاح حقيقية حين تتوفر الإرادة والتنظيم.
ومع ذلك، لم تستطع هذه التجارب أن تتحوّل إلى نموذج وطني شامل، حيث بقيت محصورة في نطاقات ضيّقة، فيما غاب الدعم المؤسساتي والرؤية الموحّدة التي تسمح بتطوير منظومة متكاملة لإدارة النفايات.
فهل يمكن للبنان، في ظلّ هذا التخبّط المزمن، أن ينتقل أخيرًا إلى استراتيجية علمية وشاملة توقف الهدر وتضع حدًا للعشوائية؟
أشارت الخبيرة القانونية في مجال البيئة الدكتورة جوزيان يزبك في حديث لـ "نداء الوطن" إلى أن إرادة الدولة والحكومة في وضع استراتيجية لإدارة النفايات يجب أن تقوم على المبادئ الأساسية، ولا سيّما مبدأ الهرم التسلسلي لمعالجة النفايات الصلبة.
وأضافت أن سياسات الطوارئ لم تعد تنفع في لبنان، معتبرة أن الخطة المطبّقة حاليًا، أي خطة المطامر البحرية، ليست سوى خطة طوارئ عشوائية لا يمكن الاعتماد عليها كنظام مستدام.
وعن إمكانية تطبيق نظام فعليّ للفرز وإعادة التدوير في لبنان في ظلّ الظروف الحالية، قالت يزبك: "بالتأكيد يمكن ذلك، إذا توفرت الإرادة لدى الدولة والإمكانات لدى البلديات، وكان هناك قرار واضح من مختلف مستويات السلطة. فلبنان يمتلك قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، الذي ينصّ على اللامركزية والفرز من المصدر والتدوير، بالإضافة إلى مرسوم الفرز من المصدر الذي يمنح البلديات دورًا أساسيًا في هذا المجال".
وتابعت مؤكدة ضرورة إعداد دراسة استراتيجية مبنية على أعداد السكان وحاجاتهم، مشدّدة على أن وضع الخطط يجب أن يسبقه عمل بحثي دقيق، وليس اعتماد أسلوب عشوائي في التخطيط والتنفيذ. وقالت: "عند وضع خطة للفرز، يجب دراسة كيفية جمع المفروزات، وكيفية معالجتها، ومصيرها النهائي. فهناك سلسلة خطوات مترابطة يجب التخطيط لها لنجاح أي برنامج فرز".
ولفتت يزبك إلى أن لبنان يمتلك معامل تدوير جيدة ومتعدّدة، وعلى الدولة دعمها بدلًا من اللجوء إلى حلول عشوائية وغير مدروسة قد تؤدي إلى إقفال هذه المعامل لأسباب اقتصادية.
وختمت قائلة: "نحن نشجع خطة الحكومة، ولكن بشرط أن تقوم على دراسات علمية واضحة ومتكاملة".