قرار تاريخي للجمارك… فرض أكبر غرامة في تاريخه وملف الناقلات ينفجر إلى العلن
في تطور غير مسبوق، اتخذ المجلس الأعلى للجمارك، وباقتراح مباشر من المدير العام ريمون خوري، قرارًا بفرض غرامة بقيمة 10 ملايين دولار على الناقلة “Hawk III”. القرار، الذي يُعد من الأعلى في تاريخ الجمارك اللبنانية، أصاب مباشرةً أعصاب المنظومة التي حاولت بكل الوسائل ــ ترهيبًا، ضغطًا، إغراءً ــ إقفال الملف أو تخفيض الغرامة. إلا أن المحاولة سقطت، وسقطت معها الأكاذيب، فيما أثبتت الدولة أنها قادرة، عند توفر الإرادة، على مواجهة منظومات التزوير والتهريب التي ظلت لعقود فوق المحاسبة.
منذ انكشاف الفضيحة، وجد “ليبانون ديبايت” نفسه في مرمى حملات منظمة شنّها جمهور القوات اللبنانية الموجّه، وحسابات تابعة لجهات نافذة في وزارة الطاقة، بعد نشر الموقع تحقيقات توثّق تزوير منشأ الناقلة وتورّط شركات وسيطة في تمرير الفيول الروسي. ولم تكتفِ الوزارة بالدفاع، بل صعّدت عبر بيانات مضللة ادّعت أنّ القضية تقنية تتعلق بالنوعية، في محاولة مكشوفة لطمس حقيقة تزوير المنشأ والتغطية على مسؤولياتها. وفي موازاة ذلك، تعرّض المهندس فوزي مشلب، مقدّم الإخبارات، لهجوم شرس شاركت فيه جيوش إلكترونية وعدد من الصحافيين ورؤساء التحرير بهدف ضرب صدقيته، قبل أن تؤكد الوقائع الرسمية صحة المستندات التي قدمها.
التحقيقات اللبنانية أثبتت أن الشحنة روسية بالكامل، وأن مرور “Hawk III” عبر مرفأ مرسين التركي كان مجرد مناورة لتغيير المنشأ. وجاء الردّ التركي الرسمي ليقلب الطاولة: المستندات التي أبرزتها شركة Sahara Energy DMCC غير موجودة في قيود الدولة التركية، ما يعني أنها مزورة. هذا التطور أسقط روايات وزارة الطاقة وبعض وسائل الإعلام، وفتح الباب أمام ملاحقة Sahara Energy ومسؤوليها، وعلى رأسهم Collin Raccah، إضافة إلى ممثل الشركة في لبنان المحامي إيلي الرمز، بجرائم تزوير جنائي تصل عقوبتها إلى عشر سنوات سجن. فالرمز كان قد أبرز المستندات المزوّرة بعد ضبط الناقلة واستعادتها أثناء محاولة الهروب، ما يؤكد أن التزوير جرى عن سابق تصور وتصميم، وأن حصانة المهنة لا تنطبق على جرم كهذا، ما يستوجب الشروع في إجراءات رفع الحصانة لملاحقته.
وترافق توقيف الناقلة مع عبء إضافي على الدولة، إذ وضع الجيش اللبناني نقطة بحرية لمراقبتها على مدار الساعة، ما خلق أعباء مالية ولوجستية دفعت المؤسسة العسكرية إلى مطالبة الجمارك بالإسراع في البت بالملف. ووفق قانون الجمارك، تُباع وسيلة النقل المعرضة للتلف أو التي تُكلّف الدولة أعباء غير مبررة في المزاد العلني. وتُقدّر قيمة الناقلة بـ20 مليون دولار، ما يجعل الغرامة قابلة للاستيفاء بالكامل عبر المزاد، مع تسجيل اهتمام فوري من شركات أجنبية بالدخول على خط الشراء.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق هاجس وطني حاضر: منع تكرار سيناريو “RHOSUS” الذي دمّر مرفأ بيروت بعد أن تُركت سفينته محجوزة لسنوات. الدولة اليوم أمام خيار واضح: البيع الفوري واستيفاء الغرامة، أو المخاطرة بمأساة جديدة.
لكن “Hawk III” ليست سوى رأس جبل الجليد. فالجمارك تتابع التحقيق في 35 ناقلة أخرى، قدّم بشأنها فوزي مشلب إخبارات موثوقة تتضمن تفاصيل عن تزوير منشأ وتلاعب في المستندات والحمولات. وتشير المعلومات إلى أن التنسيق بين النيابة العامة المالية والتمييزية قد يمكّن الدولة من استعادة مئات ملايين الدولارات من الغرامات المفروضة على الشركات الأربع المتورطة: OQ / OD Trading (النفط العُمانية)، BB Energy، Sahara Energy DMCC، وIplom International SA.
قرار الجمارك يشكل سابقة وطنية وأكثر من ذلك: إنه كسر لحاجز الخوف الذي حكم الإدارة لعقود. فريمون خوري وسامر ضيا واجها ضغوطًا غير مسبوقة، لكنهما تمسّكا بتطبيق القانون بدل الخضوع للسياسة ولشبكات المصالح. واليوم، الكرة في ملعب القضاء والجمارك معًا: هل يُستكمَل المسار حتى استعادة أكثر من 600 مليون دولار غرامات مستحقة على 35 ناقلة، أم يُعاد الملف إلى الظلام نفسه الذي ابتلع مليارات من المال العام؟