اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

سقوط "قيصر".. لبنان بين عصر الفرص أو خسارة الدور والكهرباء إلى 15 ساعة؟

صيدا اون لاين

لا تقتصر مفاعيل سقوط "قانون قيصر" على سوريا، البلد المعني مباشرةً بالعقوبات، بل تمتدّ إلى لبنان الذي شكّل طوال ستة أعوام منفذَ دمشق إلى العالم الخارجي، على المستويات التجاريّة والمصرفيّة. ومع بدء التحرّر من القيود، يجد لبنان نفسه أمام منعطف اقتصادي حاسم: فهل يستعيد دوره كبوّابة للأسواق السوريّة ومنصّة لإعادة الإعمار، أم يفقد موقعه لمصلحة البدائل الإقليمية؟ وفي خضم هذا المشهد، يلوح احتمال رفع التغذية الكهربائية إلى 15 ساعة يوميًّا في لبنان، كأولى مؤشرات المرحلة الجديدة.
ِ
"قيصر" أنهك لبنان قبل سوريا
فرض "قانون قيصر" الاميركيحزمة كبيرة من العقوبات الأميركيّة على سوريا منذ العام 2019، ليطال "كلّ شركة أو كيان أو حتّى أفراد من الداخل السوري أو من أيّ دولة خارجيّة للعقوبات، إذا ما دخلوا في علاقات تجاريّة مع النظام، أو قدّموا الدعم العسكري والمالي والتقني". واقعٌ جعل سوريا تعتمد على مطار رفيق الحريري الدولي وعلى الموانئ اللبنانية لتأمين حاجياتها، فتضاعفت فاتورة الاستيراد اللبناني لتموين السوق السوريّة، ونشطت عمليات التهريب إلى الداخل السوري لا سيّما الوقود. فضلًا عن نزف العملات الأجنبيّة من السوق اللبنانية نحو سوريا، ما ساهم في شح الدولار وفي تغذية مساره التصاعدي مقابل الليرة اللبنانية، في توقيت لبناني حرج، تزامن مع تفجّر الأزمة الاقتصادية في البلاد. ونتج عن عقوبات قيصر إغلاق المعبر البري الوحيد أمام البضائع اللبنانية المعدةّ للتصدير إلى دول عربية أخرى، ما أجبر لبنان على استخدام طرق أطول وأكثر تكلفة في النقل البحري. كما حرمت العقوبات لبنان من استيراد الكهرباء من سوريا، ومن استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة.

سوريا تستغني عن لبنان بعد قيصر؟
دخول قرار رفع العقوبات حيّز التنفيذ، بعد تصويت مجلس الشيوخ الأميركي،من شأنه أن يفتح أمام دمشق أبواب التجارة العالميّة، ويمكّنها من استيراد مستلزمات إعادة الإعمار، ومن العودة للنظام المصرفي العالمي وتحويل الأموال بصورة مباشرة ومشروعة، ما يطرح تساؤلات حول التبعات على لبنان لناحية حركة التبادل التجاري، والعلاقات الاقتصادية مع سوريا، فهل تستغني سوريا عن الموانىء اللبنانيّة والخدمات المصرفيّة والماليّة؟
يرى عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس أبو دياب في حديث لـ "لبنان 24" أنّ الانطباع الأولي عن "استغناء" سوريا عن لبنان بعد تخفيف الضغوط المرتبطة بقانون قيصر غير دقيق، موضحًا أنّ مطار بيروت أقرب إلى العاصمة السورية من مرفأ طرطوس، كما أنّ مرفأ طرابلس أقرب إلى حمص من مرفأ بانياس، ما يمنح لبنان أفضليّة جغرافيّة ولوجستيّة لا يمكن لسوريا التخلّي عنها بسهولة. يضاف إلى ذلك أنّ الاقتصاد السوري ما زال مكبّلاً بجملة قيود اقتصاديّة ومنظومة قانونيّة وماليّة تجعل عودته إلى الحركة الطبيعيّة عمليّة تدريجيّة وبطيئة.
ويلفت ابو دياب إلى أنّ العديد من كبار التجّار والمستثمرين السوريين الموجودين في الخارج لم يعودوا بعد إلى سوريا، بسبب الضبابيّة القائمة في بيئة الأعمال، كما أنّ الاستثمارت الخليجيّة الموعودة لم تصبح حقيقة بانتظار الرفع الفعلي للعقوبات.
ويشير أبو دياب إلى أنّ حجم الاستيراد في لبنان بلغ هذا العام حوالى 20 مليار دولار، وهو الرقم الأكبر منذ الأزمة، وجزء منه أعيد تصديره إلى السوق السورية "كما أنّ ديناميّة القطاع المصرفي السوري لم تصل بعد إلى المرونة المطلوبة، بحيث أجروا معاملة مصرفية دوليّة واحدة فقط عبر نظام «سويفت» ولا زالت هناك عوائق. كل هذه العوامل تدفع باتجاه استمرار اعتماد الأسواق السورية على المعابر والمرافئ اللبنانية، ولو بحدود متفاوتة".

استعادة الآمال برفع التغذية الكهربائية بين 10 و15 ساعة

من ناحية الطاقة، يفتح رفع بعض القيود المجال أمام إعادة تنشيط الملفات العالقة، لجهة استيراد الغاز المصري عبر سوريا، لزوم معامل إنتاج الكهرباء في دير عمار والزهراني، فضلًا عن السماح باستجرار نحو 250 ميغاواط من الأردن، عبر الأراضي السورية، وهو ملف جُمّد في الأعوام الماضية بانتظار الاستثناء الأميركي المتصل بقانون قيصر، ما يسمح اليوم في حال أُعيد تفعيله،بزيادة التغذية الكهربائية ورفعها ما بين 10 إلى 15 ساعة يوميًا، خصوصاً في ظلّ استعداد القاهرة وعمان لتأمين كميات إضافية من الغاز والكهرباء.
في هذا الإطار أشار أبو دياب إلى أنّ رئيس الحكومة نواف سلام بحث في هذا الملف خلال لقائه الأخير مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الدوحة، لافتًا إلى أنّ تمويل البنك الدولي لإعادة تأهيل الشبكات، والمقدّر بنحو 250 مليون دولار، هو جاهز، يحتاج إلى إقرار نهائي في مجلس النواب لتفادي ضياع التمويل. 
الإصلاحات تمنع ضياع الفرصة
من إيجابيات المرحلة المقبلة إمكان إعادة تحديد الحدود اللبنانية السورية بشكل سليم، وإعادة إحياء العلاقات التجاريّة بين البلدين، وكلّها تصب في مصلحة الاقتصاد اللبناني. لكنّ التحدّي الحقيقي أمام لبنان، وفق أبو دياب، ليس في المنافسة مع سوريا، بل في دينامية الإصلاح، إذ أنّ تأخّر الإصلاحات البنيوية داخل الاقتصاد اللبناني نفسه، سيحول دون إمكان استفادة لبنان من رفع العقوبات والقيود "فلبنان قادر على أن يكون منصّة طبيعيّة ماليّة وجغرافيّةلإعادة إعمار سوريا، سواء عبر قطاعه المصرفي أو عبر الشركات الكبرى العاملة في مجالات الهندسة والبنى التحتية، على المستويين الإقليمي والدولي والموجودة في لبنان، إلا أنّ ذلك يبقى مشروطاً باستعادة الحدّ الأدنى من الثقة،ومدى قدرة لبنان على الإصلاح السريع للقطاع المصرفي ومعالجة الفجوة المالية واستكمال الاصلاحي السياسي ربطًا بحصرية السلاح، لاسيمّا وأنّ المجتمع الدولي يربط الإصلاح المالي بالسياسي".

اللائحة الرمادية تحرم لبنان من إيجابيات ما بعد قيصر؟
عن الحؤول دون استفادة لبنان من المفاعيل الإيجابيّة لرفع عقوبات عن سوريا، بسبب وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، استبعد أبو دياب ذلك، لافتًا إلى أنّ التصنيف الرمادي لا يمنع التحويلات المالية، بل يزيد إجراءاتها ووقتها، ما يحدّ من مرونتها. موضحًا أنّ لبنان حصل على مهلة إضافيّة حتى خريف 2026 قبل إعادة تقييم وضعه، وأنّ سلسلة من الإجراءات اتُّخذت مؤخرًا في مصرف لبنان من خلال التعاميم الأخيرة ووزارة العدل، تشكّل خطوة في الاتجاه الصحيح، رغم الاعتراضات التي واجهتها من قبل كتاب العدل وجهات أخرى.
بأي حال، نجاح لبنان في الاستفادة من أيّ فرصة إقليميّة أو اقتصاديّة، سواء مع سوريا أو غيرها، رهن إقرار القوانين الإصلاحيّة الضرورية، إذ أنّّ نافذة الفرص التي تُفتح اليوم قد لا تبقى طويلاً، والرهان الحقيقي يبقى على قدرة لبنان على التقاط اللحظة، وتجهيز بيئته التشريعية والماليّة والإداريّة، ليكون شريكًا فاعلًا في مسيرة النهوض

تم نسخ الرابط