مشروع توزيع الخسائر أمام الحكومة غدا : 100 ألف دولار على 4 سنوات والودائع بالسندات
سيحضر مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع، على طاولة مجلس الوزراء في قصر بعبدا، عند الساعة الثانية بعد طهر الاثنين المقبل وإذا دعت الحاجة، ستكون هناك جلسة أخرى للحكومة عند العاشرة من صباح الثلثاء في السراي الحكومي.
وستكتسب الجلسة وهجا لناحية ترقب إقرار المشروع والترددات المالية والمصرفية والاجتماعية التي ستترتب على إقراره باعتباره ابرز القوانين المالية التي اقرتها الحكومة لمعالجة الفجوة المالية الناشئة منذ تاريخ الانهيار في العام 2019 .
وكتبت" الديار": يشكّل مشروع القانون المتعلّق بالفجوة المالية، اختباراً سياسياً دقيقاً للطبقة السياسية اللبنانية، لا يقلّ حساسية عن كونه تحدّياً مالياً واقتصادياً. فطريقة تعاطي القوى السياسية مع هذا المشروع لن تعكس فقط موقفها من الإصلاح المالي، بل تكشف أيضاً حساباتها الانتخابية، ومخاوفها الشعبية، وحدود استعدادها لتحمّل كلفة قرارات غير شعبوية.
فمنذ لحظة الإعلان، انقسم السياسيون بين مقاربتين واضحتين: الأولى مقاربة حذرة تميل إلى «المماطلة»، يقودها أطراف يخشون أن يتحوّل القانون إلى أداة تتطال مباشرة على رصيدهم الشعبي، هؤلاء يتعاملون مع المشروع بمنطق «الفرملة الناعمة»، عبر المطالبة بمزيد من الدراسة، أو ربطه بسلة قوانين إصلاحية أخرى، في محاولة لكسب الوقت وتفادي مواجهة الرأي العام. أما المقاربة الثانية فتتمثل في قوى ترى في المشروع مدخلاً إلزامياً لإعادة الانتظام المالي واستعادة ثقة الخارج، لكنها في الوقت نفسه تحاول تجميله سياسياً، عبر إدخال تعديلات شكلية.
في التقدير النهائي، فإن تعاطي السياسيين مع قانون الفجوة المالية لا يزال محكوماً بمنطق إدارة الخسائر سياسياً لا معالجتها اقتصادياً، على ما يقول وزير سابق للمالية، مؤكدا ان نجاح المشروع أو سقوطه سيتوقف على قدرة الحكومة على تحويله من عبء سياسي إلى خيار وطني جامع، وعلى استعداد القوى السياسية للاعتراف بأن كلفة الإصلاح، مهما كانت قاسية، تبقى أقل خطراً من كلفة استمرار الانهيار، وهو ما استدركه رئيس الحكومة بظهوره محاطا بكل من وزيري المال والاقتصاد وحاكم
مصرف لبنان.
وكتبت" الاخبار": وبحسب المطّلعين، فإنّ معدّي المشروع كانوا حريصين على عدم الإشارة إلى ما يتعلّق بتحميل المودعين أي خسائر، لكن الواقع أنّ الخسائر ستطاولهم جميعاً أكثر ممّا طاولتهم في السنوات الماضية، لأنهم لن يحصلوا على أكثر من 100 ألف دولار مقسّطة على أربع سنوات، ثم سيحوّل الرصيد الباقي من ودائعهم إلى سندات تستحقّ بعد 10 سنوات كحدّ أدنى. وهذا لا يشمل كل الإجراءات التي ستطاولهم، إنما هي كافية للقول إنّ عملية الشطب ستنالهم بعد تصفية رساميل المصارف إذا لم يتمّ دسّ أي مواد أو عبارات يستند إليها لتخفيف عملية التصفية.
تبدأ هذه الإجراءات بتقييم جودة أصول مصرف لبنان والمصارف من أجل احتساب الخسائر ثم توزيعها، لتطاول أولاً مساهمي المصارف ضمن حدود أموالهم الخاصة، ثم يلقى الباقي منها على عاتق الدائنين الأعلى مرتبة بما يشمل قروض المصارف لمصرف لبنان وسائر القروض الأخرى... وصولاً إلى المودعين. ويفرض القانون إعادة رسملة المصارف وفق المعايير الدولية (بازل-3)، ضمن مهلة أقصاها خمس سنوات.
الخطوة التالية المحدّدة في نص المشروع بعد تقييم جودة أصول المصارف، هي إطلاق «إجراءات تنقية الأصول غير المنتظمة». تتضمّن هذه العملية شطب واسع لفئات من الحسابات المصرفية تشمل: تحويلات مالكي المصارف وكبار المسؤولين فيها والمكافآت وأنصبة الأرباح الموصوفة بأنها «مفرطة»؛ تحويلات الأشخاص المعرضين سياسياً، إعادة الأرصدة التي زادت بالدولار بعد تاريخ 17/10/2019، سواء بسبب تجارة الشيكات المصرفية أو التحويل من ليرة إلى دولار وفق سعر صرف 1507 ليرات لكل دولار، على أساس متوسط أسعار صرف السنوات 2020 و2021 و2022 و2023 والسعر الرائج حالياً؛ الفوائد المدفوعة مسبقاً على حسابات شاركت في الهندسات المالية والتي سيتمّ تحديد معدّلاتها من قبل مصرف لبنان؛ الحسابات المشتبه في هوية المستفيد الحقيقي منها والتي ستخضع للتدقيق إلى هيئة التحقيق الخاصة لتجميدها ومتابعتها عملاً بأحكام قانون تبييض الأموال؛ حسابات القروض التجارية التي تتجاوز 500 ألف دولار وسدّدت بالليرة وفق أسعار صرف متدنّية؛ وستتمّ «تنقية» هذه الأرصدة وفق أدوات عدّة من أبرزها فرض غرامات بنسبة 30%.
بعد ذلك، تبدأ عملية تسديد الودائع وفق مفهوم الوديعة الواحدة في كل المصارف، والتي تنتج من جمع كل الحسابات العائدة إلى شخص واحد في كل المصارف، في حساب واحد يدفع منه أول 100 ألف دولار. وجرى تقسيم الودائع إلى أربع شرائح: الودائع الصغيرة التي تقلّ قيمتها عن مئة ألف دولار تسدّد على أربع سنوات. الودائع المتوسطة التي تفوق 100 ألف دولار وتصل إلى غاية مليون دولار يُسدّد منها أول 100 ألف على أربع سنوات والباقي يسدّد بسندات. الودائع الكبيرة التي تفوق مليون دولار وتصل إلى 5 ملايين دولار يُسدّد منها أول 100 ألف دولار على أربع سنوات ثم يدفع الباقي سندات. الودائع الكبيرة جداً التي تفوق 5 ملايين دولار يسدّد منها أول 100 ألف دولار على أربع سنوات ويدفع الباقي سندات. هناك تصنيفات للسندات التي ستدفع ربطاً بكل شريحة وآجال استحقاق مختلفة.
بحسب مشروع القانون، يتحمّل مصرف لبنان والمصارف «بالمشاركة» كلفة التسديد النقدي للودائع على أن تزيد حصّة مصرف لبنان عن 60% حدّاً أقصى من الدفعات النقدية. وسيخلق المشروع آلية لتحديد التزامات الدولة تجاه مصرف لبنان، أي مسألة الـ16.5 مليار دولار التي يقول مصرف لبنان إنه أقرضها للدولة لتمويل شحنات فيول للكهرباء، بينما تقول وزارة المال إنها ليست قروضاً بل عمليات تحويل من ليرة إلى دولار كان يفترض إغلاقها وتصفيتها قبل الانهيار. لكن يبدو أنّ المشروع ينحاز إلى رأي مصرف لبنان الذي يطالب بإبقاء هذه الأموال في ميزانيّته كأصول تصدر مقابل سندات دائمة على الدولة بفائدة تحدّد لاحقاً، على أن تقوم الدولة بواجبها المنصوص عنه في المادة 113 من قانون النقد والتسليف في رسملة مصرف لبنان إذا تطلّب الأمر.
وقال وقال مصدر وزاري لـ «الأنباء الكويتية»: «يتمحور جوهر المشروع حول الاعتراف الكامل بحجم الفجوة المالية في مصرف لبنان والقطاع المصرفي، والانطلاق من مبدأ تراتبية تحمل الخسائر، وهو المبدأ الذي يشكل الأساس في أي عملية إصلاح مصرفي وفق المعايير الدولية. وينطلق هذا المبدأ من المساهمين ورؤوس الأموال الخاصة، ثم ينتقل إلى الدائنين الأعلى مرتبة، وصولا في المرحلة الأخيرة إلى المودعين، مع التشديد على أن الصياغة القانونية حرصت على تجنب أي توصيف مباشر لتحميل المودعين الخسائر، رغم أن النتائج العملية تجعلهم جزءا من المعادلة».
وأوضح المصدر أن «الخطوة الأولى في تنفيذ القانون تبدأ بإعادة تقييم شاملة لأصول مصرف لبنان من قبل شركة تدقيق دولية مستقلة، بهدف تحديد الحجم الفعلي للفجوة المالية. وعلى أساس هذه النتائج، تخضع المصارف العاملة في لبنان، كل على حدة، لمراجعة جودة الأصول، لتحديد الخسائر المحققة وانعكاسها على الرساميل والالتزامات، ويفرض المشروع إعادة رسملة المصارف وفق معايير «بازل-3»، ضمن مهلة قصوى لا تتجاوز خمس سنوات، ما يعني أن المصارف غير القادرة على الالتزام بهذه المتطلبات ستواجه إجراءات قانونية قد تصل إلى إعادة التنظيم أو الخروج من السوق».
وأشار المصدر إلى أن «أحد أكثر بنود المشروع دقة يتمثل فيما يعرف بتنقية الأصول غير المنتظمة، حيث ينص القانون على شطب أو إعادة تقييم فئات واسعة من الحسابات والعمليات التي اعتبرت مستفيدة بشكل غير مشروع من الأزمة. ويشمل ذلك التحويلات إلى الخارج بعد مواعيد محددة، والفوائد المدفوعة مسبقا الناتجة عن الهندسات المالية، والزيادات في الحسابات الناتجة عن التحويل من الليرة إلى الدولار على أسعار صرف متدنية، إضافة إلى القروض التجارية الكبرى التي سددت بالليرة».
ولفت إلى أن هذه الإجراءات تترافق مع فرض غرامات تصل إلى 30%، تحول عائداتها إلى حساب مخصص لتسديد الودائع، من دون أن يمنع ذلك الملاحقة القضائية عند الاقتضاء.
وفيما يتصل بالودائع، أوضح المصدر «أن المشروع يكرس مبدأ الوديعة الواحدة، عبر جمع كل حسابات الشخص الواحد في مختلف المصارف ضمن رصيد موحد. ويسدد من هذا الرصيد مبلغ يصل إلى مائة ألف دولار نقدا على مدى أربع سنوات، وفق وتيرة شهرية أو فصلية، فيما يحول الجزء المتبقي إلى شهادات أو سندات مالية مدعومة بأصول يملكها مصرف لبنان. وتتدرج آجال هذه السندات بين 10 و15 و20 سنة، تبعا لحجم الوديعة، مع التزام بدفع نسبة سنوية دنيا من قيمتها الاسمية».
وتابع المصدر «مصرف لبنان والمصارف سيتقاسمان كلفة الدفع النقدي للودائع، على أن يتحمل المصرف المركزي الحصة الأكبر، بما لا يتجاوز 60% من الدفعات. ويعالج المشروع أيضا الإشكالية القائمة بين الدولة ومصرف لبنان حول الأموال التي يعتبرها المصرف ديونا مترتبة على الخزينة. وفي هذا السياق، يميل المشروع إلى تثبيت هذه المبالغ كأصول في ميزانية مصرف لبنان مقابل سندات دائمة على الدولة، مع تحميلها مسؤولية رسملة المصرف المركزي عند الحاجة».
وختم المصدر بالتأكيد على أن «مشروع قانون الانتظام المالي يشكل محاولة شاملة لوضع مسار قانوني واضح لمعالجة الانهيار، لكنه في الوقت نفسه يضع السلطة السياسية أمام اختبار صعب، يتمثل في الموازنة بين متطلبات الإنقاذ المالي والالتزامات الدولية، وبين الاعتبارات الاجتماعية وقدرة اللبنانيين، ولاسيما المودعين، على تحمل كلفة قرارات مؤلمة تأخر اتخاذها لسنوات».