لبنان في صدارة هدر الطعام: موائد الأعياد عامرة… و40 بالمئة منها في القمامة
لا يكتمل الاحتفال بعيد الميلاد المجيد من دون عشاء يجمع العائلات، لذلك يُعدّ تحضير ما لذّ وطاب من المأكولات والحلويات من التقاليد الاجتماعية الصامدة حول العالم، مهما تطورت أساليب العيش. إلا أن البُعد الاستهلاكي الذي طبع الاحتفالات وأعاد صياغتها خارج قيم التواضع التي يجسّدها العيد، يتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية مختلفة. فوفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمات دولية، يرتفع هدر الطعام في موسم الأعياد بنسبة 25 بالمئة إلى 30 بالمئة بسبب زيادة الاستهلاك والاحتفالات. وسنويًا، يُهدر العالم 931 مليون طن من الطعام، أي ثلث ما ننتجه من غذاء، وهو يعادل أكثر من مليار وجبة يوميًا تُرمى في القمامة.
إن هدر الطعام في الأعياد مشكلة كبيرة ناتجة عن الإفراط في الشراء والتحضير، وتكمن تبعاتها الاقتصادية في هدر الموارد والمساهمة في التغير المناخي (ماء، طاقة، أرض)، وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عند دفنها. لذا فإن تقليل الهدر يساهم في الاستدامة وحماية البيئة، ويمكن الحدّ منه بالتخطيط المسبق، وشراء الاحتياجات فقط، والتخزين السليم، وتحويل البقايا لوصفات جديدة (شوربات، فتات خبز)، وتجميد الفائض، وتشجيع الضيوف على أخذ الباقي، والتبرع للجمعيات الخيرية بدلًا من رميه.
وفي التفصيل، من أسباب هدر الطعام في الأعياد الإفراط في التحضير والرغبة في تقديم مائدة غنية، ما يؤدي إلى طهي كميات أكبر من اللازم، والشراء الزائد، أي شراء كميات كبيرة من الطعام تحسبًا للضيوف، مما يسبب تلف ما لا يؤكل، وعدم التخزين السليم، أي ترك الطعام خارج الثلاجة لمدة طويلة أو عدم معرفة كيفية حفظ البقايا.
ومن الحلول العملية للحدّ من الهدر التخطيط المسبق، أي وضع قائمة تسوق دقيقة لشراء ما تحتاجه فعلًا لتجنب شراء كميات كبيرة غير ضرورية، بالإضافة إلى التحكم في الكميات، أي طبخ كميات مناسبة للعدد الحقيقي للضيوف لتجنب الفائض الكبير، وإدارة بقايا الطعام بعد انتهاء العيد، أي تجميد الفائض من اللحوم والخضراوات لاستخدامها لاحقًا في الحساء أو المرق، وإعادة ابتكار الوصفات مثل استخدام الدجاج في السندويشات، والخضراوات في الحساء، وبقايا الخبز لتفتيت البقسماط. والأهم هو التخزين الذكي للأطعمة، أي التبريد والتجميد الفوري، ووضع البقايا في الثلاجة أو الفريزر خلال ساعتين للحفاظ عليها، والمشاركة والتبرع بكميات الطعام الفائضة وتشجيع الضيوف على أخذ ما تبقى من الطعام معهم، والتبرع للجمعيات الخيرية التي تستلم فائض الطعام وتوزّعه على المحتاجين. كما يمكن استخدام بقايا الطعام القابلة للتحلل لصنع السماد العضوي بدلًا من رميها في القمامة.
تجربة لبنان
في لبنان، تقوم الجمعيات الخيرية بجهود كبيرة في هذا الملف، ويشير الخبراء إلى أن اللبنانيين يستطيعون خفض كميات الطعام المهدورة شرط أن يتحمّل الجميع المسؤولية في هذا الأمر، خاصة أن 30 إلى 40 بالمئة من كميات الطعام في لبنان تذهب هدرًا لأسباب عدة، بحسب تقرير لوزارة الزراعة في أيلول 2025.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من المتاجر الكبرى والمطاعم تعمد إلى التبرع بالأطعمة إلى الجمعيات والمؤسسات التي تُعنى بإيصال الوجبات إلى الفقراء، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي ترخي بثقلها على كاهل جميع المواطنين، للحدّ من الهدر الغذائي وإبعاد شبح الجوع الذي بات يهدّد شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني، بسبب الفقر الذي بات يطال حوالي 74 بالمئة من السكان. وقد قلّص هذا التبرع نسبة الهدر في هذه المؤسسات بشكل ملحوظ، كما يؤكد القيّمون عليها، على أمل تحقيق الهدف المرجو للتنمية المستدامة بأن تصل نسبة الحدّ من الهدر إلى مئة في المئة في السنوات القليلة القادمة