اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

قضية خاشقجي.. هل يمكن للأحماض أن تُذيب الجثة كاملة وتختفي تماماً؟

صيدا اون لاين

ملحوظة: هذه التدوينة كُتبت قبل قتل الصحافي جمال خاشقجي لكنها تشرح بشكل علمي هل يمكن للأحماض أن تُذيب الجثة بالكامل؟

من معادلة أرهنيوس إلى نظرية برونستد-لوري ومخطط لويس للتمثيل النقطي، قطع الكيميائيون أشواطاً في مضمار التعرف بعدة طرق على الأحماض والتفريق بينها وبين المواد القاعدية، لكن علماء الطب الشرعي لديهم طريقتهم الخاصة، وهي عبر ملاحظة كيفية تدمير تلك المواد للأنسجة الناعمة والشعر والأظافر والأسنان والعظام. لا يجذب هذا الأمر فقط اهتمام العروض التلفزيونية محطِّمة الأساطير، مثل Breaking Bad، التي استخدم أبطالها حمض الهيدروفلوريك للتخلص من جثة، بل يصبُّ أيضاً في صالح أغراض عملية مثل الدراسة المتأنية للطريقة التي يحاول بها القتلة إخفاء آثارهم.

تمتلئ سجلات الجريمة بحكايات مرعبة عن استخدام المواد الكيماوية للتخلص من الجثث. وفي منتصف أربعينات القرن الماضي إلى أواخرها، قام واحد من أشهر القتلة سيِّئي السمعة في إنكلترا، وهو جون هيغ، باستخدام حمض الكبريتيكللتخلص من جثث 6 ضحايا على الأقل، وهي الطريقة التي جعلته يسمّى «قاتل الحمّام الحمضي».

وكانت منظمة أريلانو فيلكس -وهي عصابة حقيقية استلهم فيلم Traffic الصادر عام 2000 قصتها- قد استخدمت هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية) للتخلص من جثث منافسين لها.

وفي عام 2003، استخدمت عالمة الكيمياء الحيوية الأميركية لاريسا شوسترحمض الهيدروكلوريك في مخطط للتخلص من زوجها، وبفضل عمل علماء الطب الشرعي يمكننا معرفة ما حدث بالضبط في تلك المحاولات للتخلص من الجثث.

مادة قاعدية ممتازة

حين يتعلّق الأمر بالأنسجة الرقيقة، فإن الأحماض والمواد القاعدية المختارة (وعادةً ما تكون حمض الكبريتيك H2SO4، وحمض الهيدروكلوريك HCl، وهيدروكسيد الصوديوم NaOH، وهيدروكسيد البوتاسيوم KOH) تفكك الجثة عن طريق التحلل المائي للجزيئات الحيوية الكبيرة (مثل البروتينات والدهون والكربوهيدرات والأحماض النووية)، مع احتمالية هدم وحدات أصغر. يعتبر التحلل المائي القلوي ذا أفضليّة على التقنيات التي تستخدم فيها الأحماض (ويفضّل استخدامه في العمليات الشرعية للتخلص من جيف الحيوانات)، ويكون ذلك غالباً بسبب الانقسام المتزايد للروابط ثنائية الكبريت، التي تمثّل أساس التكامل البنيوي للبروتينات.

هذا التفسخ الأفضل يوضّح أيضاً سبب تذويب المواد القاعدية للشعر والأظافر بصورة أسرع من الأحماض. فالشعر يتكوّن في الأساس من بروتينات الكيراتين، التي تكتظ بالحمض الأميني ”سيستين“، ولذا فإنها تحتوي على الكثير من روابط ثنائية الكبريت. تسهِم هذه الروابط في تقوية وثبات الكيراتين، كما تساعد في مقاومة عملية الإذابة التي تقوم بها المُذيبات، التي تفكّك البروتينات الأخرى بسهولة.

لكن الروابط ثنائية الكبريت تقع ضحية التحلل المائي القلوي: فالشعر يذوب خلال دقائق في مواد التبييض أو هيدروكسيد الصوديوم (وهو أمرٌ يعرفه أي أحد لديه حوض مائي، بانيو أو دش). أما الأظافر فهي الأخرى ممتلئة بالكيراتين. وكما في الشعر، فقد لاحظ الباحثون أنّ الأظافر أكثر قابلية للتحلل بالمواد القاعدية، ومنها الأحماض.

تتفوّق الأحماض عندما تكون درجة حموضتها منخفضةً جداً، على القواعد، عندما يتعلق الأمر بتذويب العظام والأسنان، وسبب ذلك يعود على الأرجح لقابلية الكالسيوم أباتيت الكبرى على الذوبان في المركبات الحمضية.

ومع ذلك، فإن تدمير العظام في ظروف حمضية ليست مهمة سريعة. قد تستغرق العملية في ظروف عادية، مثل درجة حرارة الغرفة ومستوى الضغط الجوي، يوماً تقريباً أو أكثر، وفقاً للحامض المستخدم، ليذوب العظم، وذلك عند غمره بالكامل في الحمض.

قام فريقٌ تقوده كريستينا كاتانيو من جامعة ميلانو، بإيطاليا، بفحص تأثير الانغماس الحمضي والقاعدي لعِظام الخنازير، عن طريق الملاحظة بالعين المجردة، ومجهرياً وكيميائياً.

ولاحظوا الاختلافات في المظهر (من الناحية الكلية والمجهرية) ودرجة الضرر، بحسب ما استخدموه في دراستهم من أحماض أو قواعد. وسجَّلوا أنه إذا كانت الأحماض تقوم بعملٍ أفضل في إذابة العظام فإن القواعد القوية وعالية التركيز، تحدث هي أيضاً ضرراً كبيراً.

وصفت مجموعة كاتانيو آثار استخدام المحاليل القلوية على العظم في مجلة علم الطب الشرعي على النحو التالي:

«للوهلة الأولى، ظهر العظم سليماً من الناحية الهيكلية، لكنه كان هشاً للغاية، حيث حدث تفتتٌ كاملٌ وفوريٌ مباشرة بعد لمسةٍ بسيطة». أصف ذلك بأنه يشبه شعور تفتت البسكويت، وبنفس السهولة.

عملية التخلص من الجثة منزلياً دون مساعدة، كيف أعرف ذلك؟ لأنني شاهدت العملية بنفسي، باستخدام مستلزمات قاعدية وحمضية يمكن اقتناؤها بسهولةٍ من متجر معدات محلي، كانت القاعدة التي استخدمتها عبارة عن كريات غسيل (NaOH) يتم تسويقها لتنظيف الأنابيب المسدودة، بينما كان الحمض عبارة عن حمض الهيدروكلوريك (HCl) يستخدم لموازنة درجة الحموضة في وسط التجربة.

وعلى غرار الباحثين الآخرين، استخدمتُ عيناتٍ من الخنازير، تعلق الأمر في هذه الحالة بضلع خنزير وعظام رقبة خنزير. وخلال أسبوع عمل، شاهدت عمليات التدمير، مع ملاحظة المظهر المختلف للمحاليل الحمضية والقاعدية. قامت المحاليل بعملٍ مرعبٍ في تدمير العينات المختبرة، يمكنك مشاهدة التجربة بنفسك في هذا الفيديو.

لو كانت أفعالي شريرة، هل كنتٌ سأفلت من تبعاتها؟ ربما لا، مثل الكثير من الجناة المذكورة أسماؤهم في وقت سابق. أثناء شرائي للمستلزمات قامت كاميرات الأمن في المتجر بتصويري، ولدى المتجر سجلات لعملية الشراء الخاصة بي.

وكثيراً ما يُكشف عن هذه التسجيلات المصورة وأوراق المعاملات أثناء التحقيقات، وهي أحد الأسباب الرئيسية لإجراء بحوث التخلص الكيميائي؛ إذا عرف المحققون ماهية المادة المستخدمة سواء كانت حمضاً أو مادة قاعدية، فيمكنهم التحقق من الذين قاموا بشراء تلك المادة، أو كانت لهم إمكانية الحصول على مثل هذه المواد الكيميائية.

  في الواقع، عند استخدام الطرق الكيميائية لإذابة جثة، فمن المرجح ألا يحدث سوى تدمير جزئي. حتى بالنسبة للعينات الصغيرة التي استخدمتها في هذه التجارب، خلال أيام متتابعة، كان لا يزال هناك مواد متبقية قابلة للتحليل.

وكما يلاحظ فريق كاتانيو «… يمكن تصور أن محاولة تدمير جثة بأكملها هو مهمة مختلفة تماماً عن تدمير عينات صغيرة».

تعلّمت شوستر هذا الدرس بالطريقة الصعبة. وضعت جثة زوجها في برميل من حمض الهيدروكلوريك، وخزنت الحاوية المروعة في خزانةٍ مغلقة، لكن المحققين تمكنوا من تحديد مكان الحاوية بسهولة بمساعدة أحد الشهود وأوراق المعاملات الشرائية، وحدَّدوا بقايا الجثة بسهولة. في عام 2008 حُكم عليها بالسجن دون إمكانية الإفراج المشروط.

وحتى إذا كانت عملية التخلص من الجثة ناجحةً، كما في حالة هايغ، باستطاعة الشرطة حل لغز الجريمة. وجد المحققون المثابرون 28 رطلاً من دهون جسم بشري، وجزءاً من قدم، وأطقم الأسنان في ممتلكات تعود لهايغ، اضطر عقبها للاعتراف بالجريمة، وأعدم شنقاً عام 1949.

ربما كان جيفري شوسر محقاً في حكايات كانتربري: الجريمة ستفصح عن نفسها.

– هذه المدونة مترجمة عن موقع Chemistry World الأميركيّ.

تم نسخ الرابط