إختر من الأقسام
آخر الأخبار
'النهار' تجول في النبعة وتنقل صرخة المقهورين...'الجبنة واللحمة من الماضي' (بالصور)
'النهار' تجول في النبعة وتنقل صرخة المقهورين...'الجبنة واللحمة من الماضي' (بالصور)
المصدر : أسرار شبارو - النهار
تاريخ النشر : الخميس ٢٨ تموز ٢٠٢٤

"ساعدونا ما معنا ناكل". بهذه الكلمات استقبلتنا عجوز أمام باب منزلها الأرضي في منطقة النبعة، (فوتوا شوفوا وضعنا) لندخل ونصدم، ابنها ممدد على السرير مقطوع الساق، بطنه منتفخ، الجروح نهشت جسده... غرفة غزاها الغبار والوجع، مليئة بالأدوية وبرائحة المرض والقهر، أمام الغرفة مطبخ، ربما لم يستخدم للطبخ منذ زمن، فلا العجوز يمكنها الوقوف للقيام بالمهمة ولا تملك المال لشراء الخضر واللحم.





في منزل بالنبعة. (تصوير مارك فياض)


حادث سير في نيجيريا تسبب بقطع ساق إيلي، ومن ثم جرثومة أصابت كبده لتزيد الطين بلة، ليعود الى لبنان حاملاً خيبته وألمه، وليجد نفسه مجبراً على متابعة بقية عمره على سرير المرض من دون مال. وقال: "لا معين لي إلا الله، تعبت من كل شيء، لا طبابة ولا حتى طعام، على بالي آكل (عيشة خانوم) منذ أشهر، أصبحنا نشتهي الطبخات، لا خضر ولا فواكه، أما اللحمة (نسيت كيف شكلها)" وأضاف "لدي خمسة أولاد 4 منهم في نيجيريا، زوجتي أصيبت بجلطة في رأسها وهي تسكن عند شقيقتها، صديقتها نيجيرية تطل علي يومياً تغيّر لي الحفاض".





يدخل شقيقه البيت، ويشرح عن المعاناة، "إيجار المنزل مكسور منذ أشهر، دولتنا لا تخجل من طلب اشتراك الكهرباء والماء وفي المقابل لا تقدم لنا حتى حبة بانادول، ايلي يحتاج أسبوعياً إلى 500 ألف ليرة لسحب الماء من بطنه، وضعناه في المستشفى تعقور جسده، للأسف نعيش الذل في وطننا... نعيش من قلة الموت".





صرخات من رحم المعاناة



حال ايلي كحال آلاف العائلات اللبنانية، الذين وجدوا أنفسهم مع ارتفاع سعر صرف الدولار عاجزين عن تأمين قوت يومهم، منهم ديب فرحات (أبو علي) من أكروم سكان برج حمود، الذي كان واقفاً أمام لهيب نيران فرنه، يخبز المناقيش، تحدث لـ"النهار" بغضب من دولة أوصلت لبنان إلى كل هذه الأزمات، فيما السياسيون ينعمون بالأموال، وقال: "أبيع بخسارة، في السابق كنت أبيع الزعتر بألف ليرة والجبنة بألف وخمسمائة ليرة، أما اليوم ومع ارتفاع الأسعار أبقيت منقوشة الزعتر على ذات السعر فيما رفعت سعر الجبنة 500 ليرة، أدفع من جيبي الخسارة، فكيلو الجبن العكاوي بـ 20 ألف ليرة، (خلي العالم تاكل)، ايجار محلي 400 ألف ليرة عدا عن اشتراك المولد، ثلاثة اشهر مكسور عن الدفع (بس شو بعمل بقعد بالبيت)؟!".  وأضاف: "وضعي صفر، لدي خمسة أولاد، واحدة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذا بدنا ناكل خبز بس، بدنا خمسين ألفاً، مكسور شهرين على إيجار البيت، قدمت على مساعدة الـ 400 ألف إلا اني لم احصل على شيء على الرغم من أني طرقت كل الأبواب". وعن المرة الأخيرة التي اشترى فيها لحمة لعائلته أجاب: "من 3 شهور ما شفناها منسمع فيها سمع".





في النبعة. (تصوير مارك فياض)




في النبعة. (تصوير مارك فياض)


 يقاطعه جاره الذي كان يجلس بالقرب من باب المحل متأملاً الاوضاع الصعبة التي تمر على لبنان بالقول: "كيلو البزري السمك بـ 15 الف بعدما كان بـ 3 آلاف ليرة، أصبح الطعام بالنسبة لنا حلماً، كنا نشتري كيلو الدجاج الشقف بـ 4000 اليوم بـ 16ألفاً، حتى الإعاشة التي أحاول تدبيرها من هنا وهناك ما بتضاين".






 





 



 



 


 


 


 


 





 



Volume 0%







 










 



في النبعة. (تصوير مارك فياض)


اما مارلين التي جلست في محل (أبو علي) تنتظر انتهاء تحضيره منقوشه تسد بها جوع يومها فقالت: "عمري 50 سنة، لست متزوجة، اعيش وحيدة على مساعدة الناس وبدل إيجار قديم ورثته عن والدي". وأضافت: "ما عم آكل لحمة متل غيري، أكثر الأوقات آكل مناقيش أو ما يتذكرني به المحسنون". وأشارت الى انه "استدنت 13 الف ليرة لأدفع كهرباء، أما الاشتراك فمقطوع منذ 5 أشهر بعدما عجزت عن دفع المال، امضي الليل في الظلمة أشعر وكأني في قبر".





في النبعة. (تصوير مارك فياض)


بانتظار الفرج



أمام باب دكانه وقف ايلي ديربوكسيان منتظراً اتصالاً يطلب منه عملاً يمكن أن يساعده بتأمين قوت يوم عائلته، أو زبوناً يقصد محله محتاجاً الى قطعة لكي يبدأ رحلة البحث عليها من ضمن آلاف القطع القديمة التي جمعها لغدر الزمن، علّها تكون عوناً له عند مواجهة ظروف قاسية كالتي يمر بها الآن، فبعد أن صرف ما ادخره على مدى سنوات في اشهر معدودة بسبب انهيار العملة اللبنانية امام الدولار، أصبحت بضاعته كما قال "كنزي البسيط الذي يمكن ان أستند عليه ولو لمدة قصيرة". وأضاف: "تراجع عملي بشكل كبير بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، القطعة التي كان سعرها 5000 ليرة اصبحت اليوم بنحو 60 ألفاً، ما يدفع الزبائن الى عدم اتخاذ خطوة شرائها أو تصليح عطل في منزلهم إلا إذا كان الأمر ضرورياً جداً (يعني إذا ما طق سِكِر مي ما حدا حيرنلّي)".





في النبعة. (تصوير مارك فياض)


 



أجرة يد إيلي بين 30 إلى 40 الف ليرة، وبما أن العمل تراجع فهو لا يحصل على هذا المبلغ إلا مرة كل نحو ثلاثة ايام، أي ان يوميته لا تزيد عن عشرة آلاف ليرة، (لو ما بنتي برا لبنان لكنا متنا من الجوع)، فهي تساعدني قليلاً، فقد وصل بي الأمر أن أخشى أن تتعطل سيارتي أو أي غرض في منزلي، عندها كارثة، فلا يمكنني إصلاحه".



الجبنة واللحمة والسندويشات كان بإمكان ايلي شراؤها مرة واحدة في الأسبوع وبالتحديد نهار الأحد، أما بعد غلاء الأسعار فشطبها من قاموسه، "أوفر قدر المستطاع، (مرتي شاطرة، بتطبخ أكلات ما بتكلف، بتركز على الخضر والحبوب)"، وختم "لا يحتمل الوضع الذي نعيش فيه، فمن المعيب أن يصبح الطعام أكبر همّ لنا ومع هذا لا يمكننا القول إلا أننا ننتظر الفرج".


عودة الى الصفحة الرئيسية