إختر من الأقسام
آخر الأخبار
اليومية 15 ألف ليرة.. 'محمد' بائع موز خمسيني يجر عربته مخبئاً كل تعب السنين ونصب الحياة: إلى متى 'الشمشطة' وأنا في هذا العمر؟
اليومية 15 ألف ليرة.. 'محمد' بائع موز خمسيني يجر عربته مخبئاً كل تعب السنين ونصب الحياة: إلى متى 'الشمشطة' وأنا في هذا العمر؟
المصدر : مايز عبيد - نداء الوطن
تاريخ النشر : الخميس ١٨ تشرين أول ٢٠٢٤

عندما نقصّ على مسامعكم قصّة محمد الحجي، ذاك الرجل الخمسيني من منطقة القبّة في طرابلس، فإننا نروي حالة آلاف اشخاص من الذين هم في حالته وقد تقدّم بهم الزمن، وما زالوا يعيشون من القليل أو بالأحرى من اللاشيء، فما بالك ببائع موز على عربة، أو بائع تفاح أو ليمون أو ما شابه؟ قد يظنّ من يفاصل محمد الحجي وأمثاله على السعر في محاولة لكي يربح عليه بخمسمئة أو بألف ليرة أنه اجترح المعجزات عندما وفّر على نفسه هذا المبلغ الزهيد، من دون أن يدري كم يشكّل هذا الرقم البسيط أهمية في حياة هؤلاء الأشخاص البُسطاء، الذين يعيشون على 10 آلاف ليرة في اليوم، مخبّئين كل تعب السنين ونصب الحياة، خلف عربة صغيرة وبين حبات الموز أو التفاح أو الليمون.

ينزل محمد الحجي صباح كل يوم من القبّة إلى السرايا العتيقة سيراً على الأقدام، فيستلم عربته التي يبيّتها في كاراج أحد الأصحاب، يجرّها إلى حيث التقاطع بين منطقة ساحة التل والأسواق الداخلية. لا يملك محمد الحجي من كل ذلك إلا العربة فقط، أما الموز المُحمّل على العربة للبيع، فيشتريه بالأمانة؛ أي من أحد التجّار، على أن يسدّد ثمنه بشكل يومي من الربح الذي يوفّره. يضع محمد الحجي تسعيرته على كرتونة فوق العربة "كيلو الموز بـ 3500 ليرة". ومع أنّ عربات أخرى أو بائعين في المحلات سعّروا كيلو الموز بـ 4000 و 4500 إلا أنّ الحجي لا يريد أكثر من ربح معقول يُمكّنه من الإستحصال على يوميته. ويدرك أنّ غلّة اليوم لن تكفي إلا للقليل، لكنها أفضل من لا شيء بالنسبة إليه، وأفضل من العودة خالي الوفاض إلى المنزل والعائلة. يقول محمد الحجي في حديثه لـ"نداء الوطن": "أصبح عمري 54 سنة وعندي بنتان مطلّقتان وأنا أصرف عليهما وعلى أولادهما. تعوّدت أن أركن عربتي كل يوم في هذا المكان وأبيع الموز عليها، وفي مواسم أخرى قد أبيع شيئاً آخر، ولكنّ الموز هو الأساس".

ويضيف: "في حياتي الألف ليرة لها معنى، ليس المردود اليومي كما تتخيل، إنها أموال قليلة. 10 آلاف أو 20 ألفاً أو 25 ألفاً بأحسن الأحوال بعد أن أحسم منها ما يريده التاجر مني. أنا في الأصل رجل فقير، وبيتي إيجار ولا حيلة لديّ. والبلدية عندما وزّعت المساعدات لم تلتفت إلينا. ليست لديّ مطالب تعجيزية، فجلّ ما أريده هو أن تساعدنا أي مؤسسة فتمنع عني هذه "الشمشطة" وأنا في هذا العمر. لو كنت في بلد محترم لاحترموا سنّي وأمّنوا لي حياتي وحياة عائلتي عندما أكبر".

مع بداية تباشير المساء، يجرّ محمد الحجي عربته للمبيت في أحد الكاراجات القريبة من منطقة السرايا العتيقة، بينما يذهب سيراً إلى منزله في القبّة. ومع أن المسافة بعيدة بالنسبة الى رجل متعب مثله يعمل طوال النهار تحت الشمس أو المطر، إلا أن دفع ألفي ليرة لسائق التاكسي تعني بالنسبة إلى ربّ عائلة مثل محمد الحجي، مدخوله اليومي 10 أو 15 ألف ليرة، الكثير الكثير. لم يتردّد الحجي في الحديث أمام الكاميرا، فأي شيء يستطيع إيصال صوته إلى من يعنيهم الأمر، هو وأمثاله بحاجة إليه. ولا يُخفي حاجته إلى المساعدات التي لا يراها إلا في تفكيره. يضحك ويبتسم ويعاند الظروف، بالرغم من أنّ طيّات وجهه وملامحه تخفي الكثير من العذابات والمخاوف على الحياة والمصير.


عودة الى الصفحة الرئيسية