اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

زيارة لودريان "مختلفة عن سابقاتها"... هل يمكن الرهان عليها رئاسيًا؟!

صيدا اون لاين

في المبدأ، لا تُعَدّ زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان إلى بيروت "مفاجئة"، فهي مُنتظَرة منذ مطلع العام الحاليّ، وفق ما وعد الرجل في آخر زياراته، من دون أن يحقّق الوعد، إن جاز التعبير، بعدما استُعيض عن الزيارة بحراك السفراء الذي أجرى مشاورات مكثّفة مع مختلف القوى السياسية، ولا سيما الكتل الكبرى، وقد أنهاها قبل أكثر من أسبوع ببيان صُنّف على أنه "خارطة طريق" لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.

تتعدّد الأسباب التي دفعت لودريان إلى تأجيل زيارته المجدولة إلى بيروت لنحو خمسة أشهر، وعلى رأسها أنّه كان يريد أن تكون هذه الزيارة "مختلفة عن سابقاتها"، وأن يكون قادرًا على إحداث "خرق" بنتيجتها، على شكل خطوات جدّية وملموسة تنهي الجمود الرئاسي، ولعلّ حراك سفراء "الخماسية" جاء انطلاقًا من ذلك، ليهيئ "الأرضية اللازمة" لإنجاح الزيارة، متى تمّت، بحيث يستند لودريان إلى "أساس صلب" في مشاوراته المفترضة مع الكتل.

بهذا المعنى، فإنّ لودريان أراد "ضمانات" لنجاح زيارته، قبل أن يقدم عليها، وهو لذلك فضّل التريّث والتأجيل، علمًا أنّ الظروف السياسية في المنطقة، ولبنان في صلبها، أسهمت في هذا التأجيل أيضًا، في ظلّ تغيّر الأولويات على كلّ المستويات الذي فرضته الحرب الإسرائيلية على غزة، والجبهة اللبنانية التي فُتِحت بالتوازي معها، ما جعل الوساطات الإقليمية والدولية تتركّز على تهدئة الوضع الأمني الهشّ، وهو ما أدّى إلى "تهميش" ملف الرئاسة.

لكن، إذا كان كلّ ذلك يبرّر تأجيل زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي الذي لا يبحث سوى عن النجاح في مهمّته "المستعصية"، ولا سيما أنّ أيّ فشل جديد سيترك انعكاسات سلبية على صورة فرنسا الساعية للحفاظ على نفوذها من البوابة اللبنانية تحديدًا، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: أيّ سرّ يقف خلف إتمام الزيارة اليوم، في وقت لا تشي الأجواء بخروقات حقيقية قد حصلت؟ كيف تكون الزيارة "مختلفة عن سابقاتها"، وهل يمكن الرهان عليها فعلاً؟!.

يقول العارفون إنّ عوامل عدّة تجعل من الزيارة "مختلفة"، ولو أنّ هذا الاختلاف يبقى برأي كثيرين "شكليًا" إلى حدّ بعيد، في ظل المراوحة التي لا تزال تطبع مواقف الأفرقاء، من بينها أنّ "حراك السفراء" قد وصل إلى "مفترق طريق" إن جاز التعبير، ما يعطي لودريان هامشًا للتحرّك على أساسه، ولكن من بينها أيضًا انّ الزيارة تأتي بعد تنسيق عالي المستوى بين دول "الخماسية"، وتحديدًا مشاورات أميركية فرنسية سعودية عالية المستوى.

في التوقيت أيضًا، تأتي الزيارة قبل أيام من "قمّة" فرنسية أميركية منتظرة في السادس من حزيران المقبل، حين يحطّ الرئيس الأميركي جو بايدن في قلب باريس، ويلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث سيكون الملفّ اللبناني حاضرًا، سواء من البوابة الأمنية في ظلّ التوتر الحدودي المستمر، أو من البوابة الرئاسية، التي يضغط المجتمع الدولي لحسمها سريعًا، حتى يكون لبنان حاضرًا في "مفاوضات اليوم التالي" التي بدأ الترتيب لها في المنطقة.

من هنا، يشير العارفون إلى أنّ زيارة لودريان هذه المرّة تبدو مختلفة عن سابقاتها، فهو لن يكتفي بالاستماع إلى ما لدى الكتل السياسية من أفكار، ولن تكون مهمّته محصورة بحثّ اللبنانيين على إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، وإنما سيعمل على الضغط عليهم للتجاوب مع الجهود المبذولة، وبالتالي الترفّع على بعض التفاصيل واللوجستيات، انطلاقًا من القناعة بأنّ لبنان لا يتحمّل المزيد من الفراغ، وهو المهدَّد إسرائيليًا بـ"صيف ساخن".

بهذا المعنى، يُعتقَد أنّ المبعوث الرئاسي الفرنسي سيعمل خلال زيارته، على إيجاد "آليات تنفيذية" لما أعلنه سفراء "الخماسية" في بيانهم الأخير، يتّفق عليها مختلف الأفرقاء، خصوصًا أنّ الانطباعات الأولية التي أعقبت صدور البيان كانت إيجابية في الغالب، ولو أنّها اصطدمت ببعض الإشكاليات، المرتبطة بطبيعة "المشاورات المحدودة" التي تحدّث عنها البيان، فضلاً عن "الجلسة المفتوحة" التي أثارت اعتراضات خصوصًا لدى "الثنائي الشيعي".

استنادًا إلى ما تقدّم، يبدو واضحًا أنّ لودريان يأتي إلى بيروت هذه المرّة بـ"نَفَس مختلف" عن كلّ المرّات السابقة، وأنّه يريد إحداث "خرق" يعتقد أنّ الظروف باتت مهيّأة له أكثر من أيّ وقت مضى، ولا سيما أنّه يستند إلى موقف إقليمي ودولي موحّد، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يبقى عمّا إذا كان ذلك واردًا بالفعل، ولا سيما أنّ كلّ المؤشرات تؤكد أنّ المراوحة لا تزال طاغية، وأنّ التباعد في الموقف بين مختلف الأطراف لا يزال سيّد الموقف.

في هذا الموقف، يتوقّف البعض عند "العقَد" التي تصاعدت من جديد في الأيام القليلة الماضية، والتي أوحت أنّ "الإيجابية" التي أحاطت ببيان سفراء "الخماسية" الأخير قد تلاشت، ومن بينها ما نُسِب إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري من اعتراض على بعض البنود في البيان، ليس فقط على مستوى الجلسة المفتوحة التي يعارضها، لاعتبارات "مبدئية" مرتبطة بعمل البرلمان، ولكن حتى على مستوى "محدودية" المشاورات، التي قد يراها البعض "شكليّة".

أكثر من ذلك، تشير المعطيات إلى أنّ "الثنائي" مصرّ على فكرة أنّ أيّ مشاورات يمكن أن تحصل، مهما كان شكلها، يجب أن تكون تحت إدارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوصفه رئيس البرلمان، وبالتالي يرفض كلّ الأفكار التي تُطرَح لتجاوز هذه العقدة، سواء على طريقة تيسير "الخماسية" لهذه المشاورات، أو تولّي كتلة "الاعتدال" لزمام الأمور، مع العلم أنّ قوى عدّة تتحفّظ على فكرة أن يدير بري الحوار، باعتباره "طرفًا" في نهاية المطاف.

في النتيجة، قد يكون دقيقًا القول إنّ زيارة لودريان السادسة مختلفة عن زياراته الخمس السابقة، فالظروف التي تتمّ فيها هذه الزيارة لا تشبه غيرها، والقناعة بضرورة انتخاب الرئيس اليوم باتت أقوى من أيّ وقت مضى، لأسباب تتشابك ما بين الأمن والسياسة. لكن الثابت أيضًا أنّ الرهان على الزيارة لا يبدو كبيرًا، حتى لو صبغها البعض بوصف "الفرصة الأخيرة"، الذي فقد قيمته لكثرة ما استُهلِك، إعلاميًا وسياسيًا!.

 

 

تم نسخ الرابط