الاتصال الأخير بفرنسا... قبل الانفجار الكبير

أنهى الموفد الأميركي توم برّاك جولته على المسؤولين، وتسلّم ورقة الردّ اللبنانية الناقصة، ومهما حاول القادة اللبنانيون التخفيف من وطأة الكلام إلّا أنّ الموقف الأميركي حاسم في ما خصّ المطالب الأساسية وعلى رأسها ملف سحب السلاح غير الشرعي.
لم يقل برّاك بشكل مباشر «أنتم لستم في موقع يفرض الشروط»، لكنّه أوحى بذلك، إذ إنه رفض إعطاء ضمانات طلبتها الورقة اللبنانية. وأكثر من ذلك، ظهر القادة اللبنانيون في ردّهم كأنهم يتبنّون مطالب «حزب اللّه» ويفاوضون باسم «الحزب»، ولا يوجد دولة فعلية تبسط سلطتها وسيادتها على الأرض ولديها مطالب واضحة.
لم يتغيّر أي شيء، فالمسؤولون في لبنان يستمرّون في سياسة التذاكي على المجتمع الدولي والعمل وفق إرادة «حزب اللّه»، والجواب النهائي والأخير ليس لدى برّاك، بل يوجد عند الإسرائيلي. وبغض النظر عن مطالب الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بنزع السلاح، فهذا المطلب يجب أن يكون لأي مسؤول في السلطة. ولا توجد سلطة في العالم تقبل تقاسم سيادتها مع ميليشيا مسلّحة تتلقى المال والسلاح والدعم من دولة غريبة هي إيران.
رفع «حزب اللّه» منسوب تشدّده في الساعات الأخيرة، وهو لا يريد إلقاء السلاح، والدولة اللبنانية بدل تبرّئها من هذه التصرّفات تبذل أقصى مجهود من أجل الدفاع عن «الحزب» وسلاحه ونظرياته. ونظرية الضمانات وضعها «حزب اللّه» من أجل عرقلة الورقة الأميركية، وسقط كلّ من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نواف سلام في لعبة «الحزب».
وتأتي نقطة الضمانات كعائق أول في مسلسل العرقلة. فالدولة اللبنانية ترفض فرض سيادتها قبل حصولها على الضمانات التي يطالب بها «الحزب». والأخير يشتري الوقت من أجل إعادة بناء منظومته العسكرية والأمنية والتقاط الأنفاس والرهان على المتغيّرات. لكنّ الولايات المتحدة الأميركية رفضت عبر برّاك منح أي ضمانة قبل تسليم السلاح والسير وفق الورقة الأميركية وتأمين حلّ دائم ينهي الحرب.
لم تمرّ لعبة التذاكي اللبنانية على برّاك، وبما أنّ واشنطن رفضت منح الضمانات وأسقطت محاولات السلطة اللبنانية الدفاع عن «حزب اللّه» وحماية سلاحه، تؤكد معلومات «نداء الوطن» أن الدولة اللبنانية تبحث عن ضامن جديد أو وسيط يضغط على واشنطن من أجل تأمين الضمانات اللازمة.
وفي نظر القادة اللبنانيين، فالحصول على مثل هذه الضمانات قد يُحرج «حزب اللّه» ويجعله يتجاوب ولو ظرفيًا مع المطالب التي وردت في الورقة الأميركية وذلك من أجل تمرير الخطر. وتقع العين على فرنسا نظرًا لعوامل عدّة أوّلها اعتبارها «الأم الحنون للبنان» وتتفهّم التركيبة اللبنانية أكثر من غيرها من الدول، أما العامل الثاني، فهو قرب باريس من إيران وعدم تصنيفها «حزب اللّه» منظمة إرهابية، في حين تساهم العلاقات الفرنسية - الأميركية في تسهيل المهمة، وسط حرص فرنسي شديد على عدم تجدّد الحرب في لبنان واتّساع رقعتها.
تشارك باريس في لجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار. وهي معنيّة بالملف اللبناني بشكل مباشر ولا تريد للوضع الانهيار، لكن فات المسؤولين اللبنانيين الذين يراهنون على تدخّل فرنسي لدى الولايات المتحدة الأميركية والضغط عليها لمنح ضمانات، أنّ الرئيس دونالد ترامب لا يردّ على أحد ويسير وفق خطة واضحة المعالم. ومن جهته، لا يتأثّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأي موقف خارجي وهو يقوم بكل حروبه من دون أن يسأل أحدًا، في حين لا يختلف موقف باريس عن واشنطن في ضرورة جمع السلاح غير الشرعي وتطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار وفرض الدولة اللبنانية سيادتها على كل الأراضي اللبنانية.
يعلم الرئيس برّي أكثر من غيره ما سيأتي على الطائفة الشيعية إذا لم يُسلّم السلاح، فهذا السلاح بات الخطر الأكبر على الجميع ويجلب الدمار وليس الحماية، وبالتالي ستفشل محاولات لبنان مع فرنسا أو غيرها لجلب ضمانات لأنّ إسرائيل في النهاية هي من تقرّر وتعمل وفق مصالحها لا مصالح غيرها من الدول أو أمنياتها.