إصرار دولي على إجراء الانتخابات بموعدها والخارج يريد مجلسًا قابلًا للتعاون لا للصدام

لفتت صحيفة "الأنباء" الكويتية، إلى أنّ "في كل دورة انتخابية يمر بها لبنان، يكثر الحديث عن التأجيل والتعطيل، وعن الذرائع الداخلية التي غالبا ما ترفع في وجه الاستحقاقات الدستورية. إلا أن الانتخابات النيابية في أيار المقبل تبدو مختلفة في جوهرها وتوقيتها ودلالاتها"، مشيرةً إلى أنّ "المجتمع الدولي الذي يتابع تفاصيل الوضع اللبناني بدقة متناهية، لا يبدو هذه المرة في وارد السماح بتفويت فرصة نادرة تتيح إعادة إنتاج السلطة التشريعية وفق توازنات جديدة، خصوصا بعد ما شهدته المنطقة من تبدلات كبرى على المستويين السياسي والأمني، وبعد التغييرات العميقة في المشهد اللبناني الداخلي منذ آخر انتخابات في 2022 وحتى اليوم".
وركّز مرجع نيابي سابق لـ"الأنباء"، على أنّ "المواقف الغربية والعربية تتقاطع عند نقطة واحدة، وهي وجوب إجراء الانتخابات في موعدها ولو على إيقاع الأزمات، لأن تجاوزها سيكون بمثابة إعلان فشل كامل للمنظومة اللبنانية في البقاء ضمن الإطار الديمقراطي، الذي يشكل الغطاء الوحيد لشرعية الطبقة الحاكمة أمام الخارج".
وذكر أنّ "العواصم المعنية تتعامل مع هذا الاستحقاق على أنه محطة مفصلية يمكن أن تعيد رسم الخريطة السياسية اللبنانية، وفق معادلات جديدة. فالتبدلات التي شهدتها موازين القوى في الشارع وفي المزاج الشعبي، إلى جانب التحولات داخل الطوائف والتيارات، توحي بأن المجلس النيابي المقبل سيكون مختلفا عن سابقه، لا من حيث الأشخاص فقط، بل من حيث التحالفات والتوازنات".
وبيّن المرجع أنّ "هذا ما يفسر الإصرار الدولي على الموعد، إذ يرى المانحون والداعمون أن أي تجديد للطبقة السياسية الحالية خارج صناديق الاقتراع سيكون بلا شرعية، وأن المطلوب الآن هو إعادة فرز داخلية بإشراف خارجي غير معلن، لتحديد من يمثل فعلا، في مرحلة دقيقة من عمر الدولة اللبنانية".
وأكّد أنّ "التعثر الداخلي الذي يطرح في الكواليس كعقبة محتملة، لا يبدو هذه المرة ذا وزن أمام القرار الخارجي الحاسم. فالتجارب السابقة أثبتت أن كلمة السر الدولية كفيلة بتبديد أي اعتراض داخلي، مهما علت الأصوات أو تباينت الحسابات"، لافتًا إلى أنّ "القوى السياسية اللبنانية، على اختلافها، تدرك تماما أن المظلة الدولية وحدها تمنح الشرعية لأي عملية سياسية مقبلة، وأن أي تمرد على هذا المسار سيعني العزلة وربما العقوبات. من هنا، تسير الماكينات الانتخابية بثبات، لأن الجميع بات مقتنعا بألا مهرب من خوض المعركة في أيار، تحت أنظار الخارج الذي يراقب ويرسم ويحاسب".
كما شدّد على أنّ "هناك رغبة واضحة في أن يخرج البرلمان المقبل بتركيبة أكثر اعتدالا وأقل استفزازا، قادرة على إنتاج سلطة تنفيذية تتعامل بواقعية مع المجتمع الدولي، وتعيد فتح قنوات التواصل مع المؤسسات المالية والمانحة، وتحد من تأثير الانقسام العمودي بين محورين إقليميين متصارعين"، مفسّرًا أنّ "بكلام آخر، الخارج يريد مجلسا قابلا للتعاون لا للصدام. مجلس نيابي يوازن بين المكونات، من دون أن يشكل امتدادا مباشرا لأي محور خارجي، ويفتح الباب أمام إصلاحات جذرية يسهل تسويقها في المحافل الدولية".
ولفت المرجع إلى أن "ثمة توجها خارجيا نحو تشكيل كتلة وسطية واسعة، تعيد ضبط التوازنات التقليدية، وتحد من الاستقطاب الحاد بين فريقي الموالاة والمعارضة، بما يسمح تشكيل حكومة إصلاحية مستقرة. من هنا، يبدو أن المجتمع الدولي قد حسم أمره انطلاقا من ان الانتخابات ستجرى في موعدها مهما كان الثمن، لأن الوقت لم يعد يسمح بترف الانتظار، ولأن التغيير، ولو المحدود، بات حاجة ملحة لبلد يقف منذ أعوام على حافة الانهيار الكامل".
ورأى أنّ "ما "يُطبخ" للبنان خارجيا، يتجاوز بكثير مسألة المقاعد النيابية أو توزيع الكتل. إنه مسار إعادة تشكيل توازن سياسي جديد، يُراد له أن يواكب التحولات في الإقليم، وأن يضع البلاد على سكة استقرار مدروس لا يفلت من اليد الدولية. أما الداخل، فسيبقى يتحرك ضمن هامش ضيق، في انتظار كلمة السر التي ستحدد ليس فقط شكل المجلس النيابي المقبل، بل أيضا شكل لبنان السياسي في السنوات المقبلة".
مصدر نيابي لـ"الأنباء": لا مقاطعة لجلسات التشريع... وإشادة بدور بري
من جهة ثانية، ذكرت "الأنباء" أنّ "تداعيات إضاءة صخرة الروشة بصورة الأمينَين العامَين السابقَين لـ"حزب الله"، في الذكرى الأولى لاغتيالهما، انتهت بتسوية مرضية للجميع، تغلب فيها منطق الدولة على ما عداه، عبر الاحتكام إلى المؤسسات، ولو ان مسار الأمور في الآونة الأخيرة يأخذ وقتا، إلا ان الأهم كان تكريس منطق الدولة. وقد حظي بإجماع من جميع القوى السياسية، وخصوصا الرؤساء الثلاثة، الذين لقوا مساندة من القوى السياسية الداخلية ودعما من أركان "اللجنة الخماسية".
وأشاد نائب فاعل في تكتل حزبي مسيحي كبير لـ"الأنباء"، بـ"دور رئيس المجلس النيابي نبيه بري في نزع فتيل المواجهة، وقيامه بمساع إلى جانب تلك التي بذلها رئيس الجمهورية جوزاف عون، لتجنيب الحكومة انقساما ولو في شكل جزئي، وتأمين التضامن الوزاري الواسع، والمواكب لخطوات الحكومة في هذه المرحلة المفصلية من يوميات البلاد".
وأشار إلى "عدم مقاطعة تكتله الجلسات التشريعية للحكومة، وخصوصا مناقشة الموازنة"، مؤكّدًا "التمسك بالدستور، والحرص على عمل المجلس النيابي". وشدد على "عدم وجود مشكلة شخصية مع بري، وعلى أن لا مصلحة لأحد بتعطيل عمل المجلس"، معتبرًا أن "الامتناع عن مناقشة الموازنة وتعطيل الجلسات الخاصة بها، يعني تسليم السلطة إلى الحكومة والتخلي عن دورنا التشريعي، وهذا ما نرفضه".