اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

تحذيرات براك تُربك المشهد اللبناني.. إنذار مبطّن أم تمهيد للمواجهة؟

صيدا اون لاين

على الرغم من أنّه حاول أن يقدّمها بوصفها مجرّد "وجهة نظر شخصية"، وكأنّه أراد حصرها في إطار التحليل فحسب، وتحييد إدارة الرئيس دونالد ترامب عن مضمونها، بدت تصريحات المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا، توم براك، أقرب إلى تحذير رسمي بوجه دبلوماسي، ولا سيما أنّه وضع لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا المضيّ في مسار نزع سلاح "حزب الله"، أو مواجهة حرب إسرائيلية جديدة، قال إنها قد تكون "وشيكة".



وفيما رأت أوساط سياسية أنّ تصريحات براك هذه تمثّل "أخطر موقف أميركي منذ اتفاق وقف النار"، معتبرة أنّها تفرغ الوساطة التي يقودها من مضمونها، رأى البعض أنّها تثبّت "انحيازه الفاضح" إلى جانب إسرائيل، فيما وضعها آخرون في خانة الضغوط الأميركية والإسرائيلية، علمًا أنّها جاءت في وقت تستمرّ خروقات تل أبيب لاتفاق وقف إطلاق النار، بين غارات متكرّرة، ومناورات واسعة، ومسيّرات وصلت إلى أجواء العاصمة بيروت.



وفيما يُستبعَد صدور أيّ مواقف رسمية واضحة من تصريحات براك، وهي ليست الأولى من نوعها، وجد لبنان الرسمي نفسه في موقف بالغ الدقّة: بين مبادرة حوارية أطلقها الرئيس جوزاف عون سعيًا لتكريس التهدئة عبر مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وبين رسائل ميدانية أميركية وإسرائيلية تنسف روح التهدئة من أساسها. فهل نحن أمام إعادة رسم للمعادلة اللبنانية بقرار خارجي، أم أنّ واشنطن تمهّد لمقايضة جديدة عنوانها الأمن في مقابل نزع السلاح؟

تحذير مموّه أم إنذار فعلي؟

لا يبدو توقيت تصريحات المبعوث الأميركي بريئًا. فبعد أيام على كلام للرئيس الأميركي دونالد ترمب ألمح فيه إلى أنّ "ملف حزب الله قد انتهى"، جاء براك ليترجم الموقف الأميركي بلغة أكثر صراحة، فهو أقرّ بأنّ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل "فشل"، وحذّر من أنّ "الجمود قد يفتح الباب أمام تحرك إسرائيلي منفرد"، معتبرًا أنّ المجتمع الدولي "لن يتمكّن من إنقاذ لبنان من تبعات ذلك".

ومع أنّ براك حاول التخفيف من وطأة الرسالة بوصفها "وجهة نظر شخصية"، لا تعبّر بالضرورة عن موقف الإدارة الأميركية بالمُطلَق، إلا أنّ كثيرين وجدوا في كلامه رسالة أميركية سلبية، في سياق الضغوط المباشرة التي تمارسها الولايات المتحدة على لبنان الرسمي منذ اتفاق وقف إطلاق النار، لتسريع مهمّة سحب سلاح "حزب الله"، من دون أن تمارس مثلها على إسرائيل لتوقف خروقاتها مثلاً، أو على الأقلّ لتقديم ضمانات أمنية.



ويرى العارفون أنّ الإدارة الأميركية، من خلال رسالة براك هذه، تلوّح بالخطر الإسرائيلي لتفرض على الحكومة اللبنانية "تسريع" مسار نزع سلاح "حزب الله" الذي تعتبره شرطًا لأيّ تسوية. ويشير مراقبون إلى أنّ واشنطن تدرك صعوبة تنفيذ هذا الشرط في الداخل اللبناني، لكنها تراهن على استنزاف سياسي وميداني تدريجي يجعل من التفاوض حول سلاح الحزب خيارًا اضطراريًا لا تفاوضيًا.

تناقض المشهدين.. ماذا يعني؟

هكذا، تتقاطع الرسائل الأميركية مع الميدان الإسرائيلي الذي يتهيّأ بدوره لجولة جديدة من التصعيد المنضبط. فبموازاة التصريحات الأميركية، أعلنت إسرائيل بدء مناورات عسكرية ضخمة على طول الحدود مع لبنان، تمتد خمسة أيام وتشمل وحدات برية وجوية وبحرية ومسيّرات هجومية. كما جاء كلام براك أيضًا بالتزامن مع الغارات التي طاولت مواقع في الجنوب وعودة المسيّرات إلى أجواء العاصمة بيروت.

ومن خلال هذه الخطوات المتزامنة، التي تأتي للمفارقة بعد مبادرة أطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون للتفاوض مع إسرائيل، أرادت تل أبيب أن تقول، بحسب قراءة العديد من المتابعين، إنّها لن تسمح للبنان بأن يرسم قواعد التهدئة منفردًا، وأنّ الميدان هو من يحدّد سقف التفاوض، لا العكس، حتى إنّ بعض المحلّلين يذهبون أبعد من ذلك، معتبرين أنّ إسرائيل تردّ على المبادرة بتثبيت معادلتها القديمة: وقف النار ليس نهاية الحرب.



من هنا، يعتقد كثيرون أنّ المبادرة الرئاسية التي لم يمانعها "حزب الله"، وإن لم يباركها أيضًا، أقلّه في العلن، اصطدمت بجدار الوقائع الميدانية التي تفرضها إسرائيل بقوة الأمر الواقع، وبالتحذيرات الأميركية التي نسفت مناخ الانفتاح الدبلوماسي، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري مثلاً إلى القول إنّ "المسار المقترح للتفاوض سقط"، وأنّ خيار "الميكانيزم الثلاثي عبر الأمم المتحدة" هو الإطار الوحيد المتبقي، ما يعيد الأمور عمليًا إلى نقطة الصفر.

مجدّدًا، يجد لبنان نفسه أمام معادلة قاسية، فإمّا أن يستجيب للضغوط وينخرط في مسار تفاوضي بشروط الخارج، أو يواجه سيناريوهات عسكرية مفتوحة قد تتجاوز الجنوب إلى عمق الدولة. وفيما يحاول المسؤولون الحفاظ على منطق الحوار كمدخلٍ للاستقرار، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يملك لبنان ترف الوقت ليقرّر مساره بنفسه، أم أنّ الآخرين سبق أن قرّروا عنه والميدان وحده سيقول الكلمة الأخيرة؟

تم نسخ الرابط