الوفد المالي الأميركي في بيروت: ضغوط مشددة وخطة مراقبة مالية تهدد بتعقيد المشهد
قبل وصول وفد وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت كان مسار الزيارة بحد ذاته بياناً يحمل في طياته الأهداف التي يُراد العمل عليها، محطّات في تل أبيب وأنقرة قبل لبنان، تؤكّد أن المعركة ليست محصورة بزيارة رسمية بل جزء من عملية إقليمية متكاملة تستهدف شبكات مالية واستخباراتية تمتد عبر حدود ودول، الهدف الذي تتحدث عنه مصادر مطلعة واضح هو قطع خطوط التمويل، تفكيك آليات تحويل الأموال التي يعتمد عليها حزب الله، وليس فقط عبر قنوات بنكية رسمية بل عبر تدفقات فردية وتطبيقات مالية إلكترونية وطرق التحويل غير النظامية ورفع سقف الرقابة على كل شركات الصيرفة والتحويلات المالية، وصولاً للتضييق على التحويلات التي تتم عبر بعض التطبيقات الهاتفية.
حسب ما نقلت المصادر، كان الوفد الأميركي، الذي سبقته موجة عقوبات، وستلحقه موجة أخرى، "قاسياً" بلغته المستخدمة مع الشخصيات السياسية التي رآها، مشيرة عبر "النشرة" إلى أن كل لقاءات الوفد الأميركي حملت لغة تصعيدية وتهديدات علنية ومبطنة، وأبرز ما فيها كان الطلب من الجانب اللبناني وضع خطة عمل واضحة لجدول زمني لا يزيد عن نهاية العام الجاري، بغية إيجاد الآليات والوسائل لضبط المال النقدي في البلد.
تؤكد المصادر أن الوفد تطرق مجدداً إلى ملف القرض الحسن، علماً أن مسؤولين لبنانيين يعتبرون أن طرق هذا الملف بطريقة "تصعيدية" ستعني انهيار حالة الإستقرار التي شهدها البلد منذ جلسة الحكومة في 7 أيلول الماضي حتى اليوم، فالشارع الشيعي سيتحرك حتماً للدفاع عن هذه المؤسسة، وبالتالي لا يمكن المضي بما يُريده الأميركي الآن وبهذه الفترة الزمنية البسيطة.
لكن ما الذي يكمن وراء هذا الضغط المالي التقني؟ بحسب رؤية المصادر، هناك بعد استراتيجي يتجاوز مكافحة التدفقات المالية وهو ضرب البنية الاجتماعية التي تُبنى عليها شرعية الحزب داخل بيئته، أي ضرب التقديمات الاجتماعية، والصحية والتربوية التي تقدمها مؤسسات من خلال ضربها مالياً أو إيجاد البديل عنها، وهو ما تطرقت إليه مورغان أورتاغوس خلال لقائها بوزيرة الشؤون الإجتماعية حنين السيد منذ فترة، وتُشير المصادر إلى أن الأميركيين مقتنعون أن ضرب حزب الله يتطلب ضرب العلاقة بين الحزب وبيئته، وتفريغ فكرة المقاومة من بعديها الاجتماعي والسياسي في آنٍ واحد، إلى جانب الضغط العسكري على سلاحه
لا ترى المصادر أن المرحلة المقبلة ستكون سهلة على لبنان، لناحية تكثيف الضغوط بكافة أشكالها وأنواعها، علماً ان الضغوط المالية وتشديد الخناق على التحويلات الفردية والاقتصاد النقدي الهش قد يفاقم الأزمة المعيشية لشريحة واسعة من اللبنانيين.
وفي خلاصة المشهد تقول المصادر إن ما جرى في اللقاءات وداخل صالونات القرار هو فصل جديد في حرب مالية واقتصادية تمّتد من أنقرة إلى بيروت إلى إسرائيل ودول عربية أخرى لن تكون سوريا بعيدة عنها، فالمطلوب من سوريا بالمرحلة المقبلة هو المشاركة بالحرب على حزب الله، وتشديد الخناق على عمليات نقل السلاح التي يقول أميركيون أنها لا تزال تحصل من سوريا إلى لبنان، إلى جانب منع تدفق الأموال من تركيا على لبنان عبر سوريا.
تواجه الدولة اللبنانية اليوم اختباراً سياسياً واقتصادياً معقداً، إذ تجد نفسها بين ضغوط أميركية تسعى لفرض منظومة رقابة مالية مشددة تستهدف بنية اقتصادية واجتماعية قائمة، وبين واقع داخلي هشّ يجعل أي خطوة غير محسوبة تهديداً مباشراً للاستقرار.