اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

فضيحةٌ مُقرفة: المياه الآسنة تروي طعامنا

صيدا اون لاين

لم تعد المياه في لبنان مصدراً للطمأنينة، هذا إن وُجدت، نظراً لأنّها مقطوعة عن معظم البيوت والأراضي. وفي مُصيبة قديمة جديدة، يزداد القلق في نفوس المواطنين بعد انتشار فضيحة ريّ الأراضي الزراعيّة بمياهٍ آسنة غير صالحة للري ما يُحوّل طعامنا إلى سمٍّ قاتل.

يُشير المُدير العام للمصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني سامي علويّة إلى أنّ "الصّرف الصحي غير المُعالَج يُعتبر من أبرز أسباب تلوّث الليطاني، إذ ما زالت كميات هائلة من مياه الصّرف الصحي تتدفّق سنويًّا من التجمّعات السكنيّة ومخيّمات النزوح إلى النهر وروافده من دون أيّ مُعالجة"، لافتاً في حديثٍ لموقع mtv إلى أنّ تدفّق مياه الصرف في الحوض الأعلى يُقدَّر بحوالى 47 مليون متر مكعب سنويًّا، وهذا التدفق المستمرّ يرفع الحِمل الجرثومي والتلوّث العضوي في مياه الليطاني إلى مستوياتٍ خطيرة.
كذلك، هناك مُشكلة النفايات الصناعيّة. ويقول علويّة: "تنتشر على ضفاف الليطاني في البقاع مئات المصانع والمؤسسات يصل عددها إلى حوالى 723 منشأة صناعيّة، لا تلتزم بمُعالجة نفاياتها الصناعيّة والسائلة، بل تقوم بتصريفها مباشرةً إلى مجرى النهر. وتشير المسوحات إلى أنّ نحو 60 في المئة من هذه المؤسّسات كانت تُصرّف نفاياتها السائلة من دون معالجة في الأنهر، ما يُضيف الملوّثات الكيميائيّة والمعادن الثقيلة إلى المياه ويُفاقم تدهور نوعية النهر".
بالإضافة إلى ما سبق، يُضيف علويّة: "هناك تعديات متمثّلة برمي النفايات الصلبة ومخلّفات المعامل والمسالخ عشوائيًّا في مجرى النهر وعلى ضفافه، بشكلٍ يُفاقم التلوّث ويؤدّي إلى تراكم المواد العضويّة والكيميائيّة في البيئة النهريّة".

هذه العوامل مجتمعة، تؤكّد أنّ مياه النهر غير صالحة إطلاقاً للاستخدام الزراعي أو البشري. ويقول علويّة: "أظهرت الفحوصات المخبريّة الدوريّة التي نجريها أنّ تركيز البكتيريا في بعض عيّنات مياه الحوض الأعلى يتجاوز 5 ملايين مستعمرة لكلّ 100 مل من المياه، في حين أنّ المعايير العالميّة وفق منظّمة الصحة العالميّة ومنظمة الأغذيّة والزراعة الفاو، تحدّد الحد الأقصى المسموح بحوالى 1000 مستعمرة فقط للقولونيات الإجمالية و100 مستعمرة للقولونيات الحرارية في 100 مل. بمعنى آخر، فإن التلوث الجرثومي في النهر يفوق المعايير الصحية بمئات آلاف الأضعاف، وهذا مؤشر خطير على مدى تدهور جودة المياه".

وينعكسُ هذا التلوّث الحاد مُباشرةً على المُنتجات الزراعيّة المرويّة بهذه المياه الآسنة، ما يُشكّل خطراً مُباشراً على الصحة العامة عبر تلويث الغذاء بالبكتيريا والمواد العضويّة السامّة. ويرى علويّة في هذا الإطار، أنّ تلوث مياه الري هو أحد الأسباب وراء ازدياد حالات الأمراض والتسمّم المُرتبطة بالغذاء والماء في السنوات الأخيرة. وتُشير بيانات جهاز الترصّد الوبائي في وزارة الصحة إلى معدّلات مرتفعة من الأمراض المنقولة بالمياه والأغذية، مثل الإسهالات الحادة وحالات التسمّم الغذائي.

إلى جانب حالات التسمّم الحادّة والآنيّة، يدقّ علويّة ناقوس الخطر: "لدينا تخوف كبير من التّأثيرات الصحية المُزمنة وطويلة الأمد لهذا التلوّث، فقد بيّنت دراسات طبيّة وجود ارتباط وثيق بين التلوّث في حوض الليطاني وارتفاع معدّلات الإصابة بمرض السرطان في القرى المحيطة بالنهر".
ويُتابع: "على سبيل المثال، أظهرت دراسة وطنيّة عامي 2015-2016 أنّ نسبة حالات السرطان لدى سكان منطقة حوض الليطاني تبلغ 4 إلى 5 أضعاف المعدل العام للإصابات على مستوى لبنان. وعليه، نرى أنّ تلوّث الليطاني أحد الأسباب المُباشرة لزيادة الأمراض وحالات التسمّم، سواء التسمّمات الحادة أو حتى ما يُمكن وصفه بالتسمّم البطيء عبر الأمراض المُزمنة والخطيرة مثل السرطان".

الحفاظ على نوعيّة مياه الري شرطٌ أساس لحماية صحّة الناس. لذلك أطلقت المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني سلسلةً من النداءات والإجراءات لضمان سلامة الغذاء وجودة مياه الري حرصاً على الأمن الصحي والأمن الغذائي للمواطنين، وفق ما يؤكّد علويّة. كما يُذكّر بأنّ "ريّ المزروعات بمياهٍ ملوّثة يُعتبر مخالفة صريحة لقانون سلامة الغذاء رقم 35/2015 ويُشكّل خطراً مباشراً على الصحة العامة. لذلك فإنّ منع هذه المُمارسات وإيجاد بدائل آمنة يُعتبر ضرورة ملحّة لحماية صحّة المواطنين"، مُحذّراً من أنّ "الأمن الغذائي سيكون مهدّداً ما لم نتدارك تلوّث الليطاني، وصحّة اللبنانيّين بالفعل على المحكّ في ظلّ استمرار التعديات البيئيّة الحالية". ويُشدّد على أنّه "من واجبنا جميعاً التحرّك السّريع والجدّي لضمان وصول غذاء صحّي ونظيف إلى موائد اللبنانيين، وهذا لن يتحقّق إلا بحلّ مُشكلة تلوّث الليطاني جذريًّا".

أخيراً، يُعدّ تلوّث الليطاني بمياهه وهوائه وتربته كارثةً صحيّة وبيئيّة بالغة الخطورة، ويُظهر بوضوح أنّ استمرار هذا الوضع على ما هو عليه سيؤدّي إلى مزيدٍ من حالات التسمّم والأمراض ما لم يُعالَج بشكلٍ جذري.

تم نسخ الرابط