لبنان يستغيث: مَن يُنهي الكابوس؟
شهد لبنان سلسلة حرائق في مناطق عدّة، من الشمال إلى الجنوب وجبل لبنان، في مشهدٍ بات مألوفاً في هذه الفترة من السّنة. الصّور والفيديوهات مُرعبة، مع اشتداد سرعة الرياح ما يزيد من اتّساع رقعة الحرائق، وسط نداءات استغاثة من الأهالي وتهافت عناصر الإطفاء بوسائل متواضعة.
يُشير مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعيّة في معهد الدراسات البيئيّة في جامعة البلمند الدكتور جورج متري، إلى أنّ "هذه الفترة تُعدّ ذروة موسم الحرائق في لبنان، إذ تجفّ الأعشاب وتزداد سرعة الرياح الناشفة وتنخفض الرطوبة"، مضيفاً في حديثٍ لموقع mtv: "نشهد اليوم اتّساعاً سريعاً للنيران، وهذا ما حذّرنا منه بداية هذا الموسم وأعدنا التذكير به منذ أيّام".
وفي ما يتعلّق بالصّعوبات التي تواجه فرق الإطفاء والعجز عن السيطرة على الحرائق بسهولة، يُشير متري إلى أنّ "الصّعوبة أصبحت واقعاً لأنّ الحرائق باتت أسرع انتشاراً وأشدّ، وتؤثّر على مناطق واسعة في البلد. كما أنّ التغيّرات المناخيّة تزيد من خطورة الوضع، ما يجعل الغطاء النباتي أكثر قابلية للاشتعال".
من جهتها، دعت المديريّة العامة للدفاع المدني، المواطنين إلى توخّي أقصى درجات الحذر وتجنّب إشعال النيران في الأعشاب أو قرب الأحراج، والإبلاغ فوراً عن أيّ حريق على الرقم 125، مؤكّدةً استمرار فرقها في العمل حتّى السيطرة الكاملة على كلّ النيران المُشتعلة.
لم يعد انتشار الحرائق مجرّد كارثة طبيعيّة موسميّة، بل تحوّل إلى جرس إنذار بيئي وسط تغيّرات مناخيّة واضحة. والمُشكلة ليست في الحريق نفسه، بل في ما تكشفه ألسنة النيران عن الإهمال المُزمن في إدارة الثروات الحرجيّة وغياب الوقاية والرقابة والحلول.
هنا، يلفت متري إلى وجود تحدّيات كبرى ومتنوّعة، أبرزها "قلّة التجهيزات والموارد البشريّة والماليّة، ضعف التّنسيق بين الجهات المعنيّة، عدم الأخذ باستراتيجيات إدارة الخطر والبناء عليها والتي أثبتت فعاليتها في الماضي، خصوصاً خطّة الطوارئ لوزارة البيئة بين 2022 و2024، عدم اعتبار خطر الحرائق كأولويّة بيئيّة على الصّعيد الوطني، وبالتالي اتّخاذ إجراءات عملانيّة، وضعف المؤسّسات المعنيّة في إدارة الخطر، وعدم الاستفادة بشكلٍ فعّال وسريع من المشاريع المموّلة في هذا المجال، وعدم الاستفادة من الطاقات والقدرات الوطنيّة".
ويُشدّد على أنّ كلّ مواطن شريك في حماية الغابات، والاتّكال اليوم على المبادرات الفرديّة والمحليّة لحين تمكّن الإدارات المحليّة والوطنيّة من الأخذ بزمام الأمور".
على الرّغم من عامِل الطّبيعة، إلا أنّ جزءاً من الحرائق التي تشهدها المناطق اللبنانيّة يعود إلى تراكم الإهمال وقلّة التّخطيط. ومع كلّ حريقٍ يُخمَد يبقى السّؤال: "ماذا بعد؟ وهل نتعلّم من الدروس المتكرّرة حفاظاً على ما تبقّى من مساحاتنا الخضراء؟"