انكماش الصوت الاغترابي يسهل التفاوض: هل تتبدل حسابات قانون الانتخاب؟
أقفل باب تسجيل المغتربين للمشاركة بالإنتخابات النيابية المقبلة على مئة وخمسين ألفاً فقط من اللبنانيين في الخارج سجّلوا أسماءهم لخوض هذه المعركة المصيرية لانتخاب ستّة نواب يمثلون القارات الستّ كما ينص القانون، الذي يمكن أن يخضع للتعديل، علماً أن الحكومة تتذرع بعدم قدرتها على تنفيذه كما هو.
رقم هزيل إذا ما قيس بأعداد المغتربين المسجلين في انتخابات 2022 من جهة، وبأهمية الاستحقاق المقبل في رسم مستقبل لبنان من جهة أخرى، ففي الإنتخابات الماضية تسجل حوالي 244 ألف مغترب، وفي العام 2017 تسجل حوالي 92 ألفاً، وهذه المرة وصل الرقم إلى 150 ألفاً، ولذلك أسباب عديدة ونتائج أيضاً.
الانخفاض الكبير في التسجيل ليس تفصيلاً تقنياً فقط فله أسبابه السياسية، ففي العام 2022 كانت الثورة الشعبية بذروتها، وكان هناك حماسة كبيرة لدى المغتربين لانتخاب الوجوه التي ظنوا أنها ستغير الطبقة السياسية في لبنان، ونجحوا في تلك الإنتخابات بإيصال حوالي 10 نواب بقواهم الذاتية، ولكن التجربة التي انتهى إليها "نواب التغيير" خيبت آمال اللبنانيين في الداخل والخارج مما أدى إلى انخفاض مستوى الحماسة للتسجيل هذه المرة.
كذلك فإن من الأسباب الأساسية لانخفاض العدد، الذي كان متوقع أن يطرق باب الـ400 ألف مسجل بحسب القوى السياسية التي تدفع باتجاه تعديل القانون الإنتخابي، هوالضياع بشكل القانون الإنتخابي الذي ستجري على أساسه الإنتخابات، بين من يريد للمغتربين الاقتراع بالخارج لنواب الداخل، وبين من يتمسك بالقانون الذي ينص على استحداث الدائرة 16 والتصويت لستّة نواب يمثلون القارات الستّ، وبين من يقول أن النتيجة ستكون تسوية تحمل المغتربين للتصويت في لبنان، هذا بحال سلمنا جدلاً أن الإنتخابات ستحصل في موعدها المقرر في أيار المقبل، ولم يتم تأجيلها.
حاولت القوى السياسية المؤيدة للتعديل أن تستنهض المغتربين للتسجيل، فكانت حملات سياسية واعلامية ورسائل مباشرة من رؤساء الأحزاب، وعمل مكثف في وزارة الخارجية، جعلت الرقم يرتفع خلال الأيام الخمسة الأخيرة من 50 ألى مئة وخمسين ألفاً، علماً أن في الانتخابات الماضية سجلت الأيام الخمسة الأخيرة من مهلة التسجيل ارتفاعاً قياسياً بالعدد، بلغ عددهم نحو 79 ألفاً أي 32 بالمئة من إجمالي المسجلين.
بالمقابل لم يتحرك الثنائي الشيعي علانية ولم يقم بحملات سياسية، ولا أصدر بيانات ودعوات قيادية ولا نيابية، وإذا كان حزب الله لم يتحرك أبداً، اكتفت حركة أمل بالعمل الصامت في بعض الدول التي يمكن العمل بها بقليل من الحرية، لأن العمل الميداني لم يكن ممكناً في كل الدول بسبب الخشية من العقوبات والتضييق على بيئات محسوبة سياسياً، فتوزّعت الجهود حيث يمكن للحركة بلا ضجيج، وعندما تُنشر لاحقاً الخرائط التفصيلية للتوزيع الطائفي والجغرافي، سيظهر هذا الأمر بجلاء، ولكن وبالنتيجة وبحسب معلومات "النشرة" تم تسجيل حوالي 30 ألف شيعي، بانتظار صدور الأرقام النهائية، والتي ستحتاج وقتاً ريثما يتم دراسة الطلبات المقدمة، بظل وجود خشية من تلاعب قد يحصل في دهاليز الدوائر المعنية بذلك.
لا شكّ أن الأرقام الجديدة تُعطي ذخيرة للفريق الرافض لتعديل القانون، فمع تقلّص حجم الكتلة الناخبة الخارجية، يصبح التفاوض حول هذا البند أكثر سلاسة، وتقلّ فاعلية الضغط الذي كانت تبني عليه القوى المتحمسة لإحداث تغيير جذري في قواعد اللعبة، وبالتالي بحال لم يتم تأجيل الاستحقاق، وهو خيار لا يزال قائماً، فإن التوافق على هندسة القانون بات أسهل وأقل كلفة.