نقاشات حاسمة... ما مصير "اليونيفيل"؟

تعيش أروقة الأمم المتحدة في نيويورك حراكا ديبلوماسيا مكثفا في الأيام الأخيرة، مع اقتراب موعد التصويت على قرار تجديد ولاية القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» التي تنتشر في الجنوب منذ ما يقارب نصف قرن.
النقاشات الجارية تعكس مزيجا من الهواجس والرهانات، حيث تسعى بعض الأطراف، وفي مقدمتها إسرائيل، إلى الدفع نحو تعديلات جوهرية في تفويض هذه القوة. بينما يتركز الجهد اللبناني، بدعم فرنسي، على ضمان التجديد التقني من دون المساس بالمضمون الأساسي للقرار 1701 الذي أرست قواعده بعد حرب عام 2006.
وتبرز في المشهد، وفق مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء»، «مساع إسرائيلية لإقناع الولايات المتحدة بإعادة النظر في دعمها للدور الحالي لليونيفيل، في ظل تحولات ميدانية وسياسية شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية، ما يجعل المشاورات بين باريس وواشنطن شديدة الأهمية لتحديد الصيغة النهائية للقرار».
منذ تأسيسها عام 1978 بموجب القرارين 425 و426 عقب الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان، مرت مهمة اليونيفيل بمحطات مفصلية، كان أبرزها التطوير الذي لحق بها عام 2006 بعد الحرب الإسرائيلية - اللبنانية، حيث منحت صلاحيات أوسع لدعم الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة جنوبا. وعلى مدى السنوات، جرى التجديد سنويا بشكل شبه آلي، لكن المستجدات الإقليمية منذ نهاية الحرب الأخيرة بين إسرائيل و«حزب الله» في نوفمبر 2024، إضافة إلى خطة حصر السلاح بيد الدولة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، فتحتا الباب أمام محاولات إعادة صياغة التفويض أو تعديل حجم القوة، بحسب المصدر نفسه.
وأوضح المصدر انه «مع اقتراب نهاية الولاية الحالية في 31 آب الجاري، تتسارع اللقاءات المغلقة بين الدول المساهمة بقوات في اليونيفيل وأعضاء مجلس الأمن، وسط معلومات متباينة حول الاتجاه الذي سيسلكه القرار الجديد. فرنسا التي تتولى ملف لبنان في المجلس، تتهيأ لتوزيع مشروع قرار يعكس مطلب بيروت بتمديد لسنة حتى آب 2026، مع الحفاظ على التفويض الحالي. بينما يبدي الأميركيون استعدادا لمناقشة إدخال تعديلات تمنح القوة مرونة أكبر في الحركة، خصوصا في ما يتعلق بمكافحة تهريب السلاح، وهذا ما يتقاطع جزئيا مع الرؤية الإسرائيلية، وإن لم يكن مطابقا لها بالكامل».
العنصر المالي يطل برأسه أيضا في هذه المفاوضات، إذ أشار المصدر إلى ان «الإدارة الأميركية تواصل توجهها نحو خفض مساهماتها في تمويل بعثات حفظ السلام، ما قد ينعكس على موازنة «اليونيفيل» التي تضم حاليا نحو 10500 عنصر. في المقابل، تراهن واشنطن على قدرة الجيش اللبناني، الذي نشر أكثر من ستة آلاف جندي في الجنوب مع نية لزيادة العدد، على سد أي فراغ قد ينجم عن تقليص القوة الدولية».
وأشار مصدر وزاري لبناني لـ «الانباء» إلى ان «الرسالة التي وجهتها الحكومة اللبنانية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئاسة مجلس الأمن، شددت على أن استمرار وجود اليونيفيل أساسي للحفاظ على الأمن والاستقرار في الجنوب، ودعم الجيش في السيطرة على المنطقة، ومنع الانتهاكات الإسرائيلية. كما أكدت تمسك لبنان بتنفيذ القرار 1701 كاملا، واحتكار الدولة للسلاح، مشيرة إلى الأدوار الإنسانية والتنموية التي تؤديها البعثة، والتي تجعلها بالنسبة إلى سكان الجنوب رمزا للأمان والتضامن الدولي».
وبينما تبدو المؤشرات الأولية إيجابية باتجاه التمديد، فإن ما يدور خلف الكواليس، وفق المصدر الديبلوماسي، يكشف عن «معركة صامتة بين من يريد الحفاظ على الصيغة القائمة، ومن يسعى إلى استثمار اللحظة السياسية لتعديل قواعد الاشتباك الميداني جنوبا. النتيجة النهائية ستعكس حجم التوازنات الدولية والإقليمية، ومدى قدرة الديبلوماسية اللبنانية، بدعم من شركائها، على تحصين التفويض الحالي لليونيفيل كأحد ركائز الاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان».