لبنان يُسابِق "الجمعة الصعب".. و3 سيناريوهات محتملة

على وهج الارتقاء «المتوازي» في ضرباتها على جبهتيْ غزة والحوثيين باغتيالاتٍ مُدَجَّجَةٍ برسائل «اليد العليا» لتل أبيب، بدا من الصعب فَصْلُ «زنار النار» الذي لفّتْ به اسرائيل أمس منطقة النبطية (جنوب لبنان) بغاراتٍ وُصفت بالأعنف منذ سبتمبر 2024 عن مسار سحْب سلاح «حزب الله» الذي يَضرب موعداً الجمعة مع جلسةٍ مفصليةٍ لحكومة الرئيس نواف سلام، التي تُعانِد وَضْعَها بين فكي كماشة حرب أهلية أو حرب اسرائيلية.
فقد نفّذ الطيرانُ الاسرائيلي أكثر من 10 غارات على أحراج علي الطاهر ومحيط النبطية الفوقا وكفرتبنيت وألقى خلالها عدداً كبيراً من الصواريخ الشديدة الانفجار، وإحداها أحدثت موجة انفجارية شبّهتها «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، بأنها تشبه التي حصلت في انفجار مرفأ بيروت العام 2020 ولكن بحجمٍ أقلّ، وهو ما برره الجيش الاسرائيلي بأنه استهداف لـ «بنى تحتية عسكرية في جنوب لبنان وبينها بنى تحت أرضية في موقع تابع لحزب الله في منطقة الشقيف حيث تم رصد أنشطة عسكرية داخله»، معتبراً «ان وجود هذا الموقع والنشاط فيه يُشكلان خرقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».
وبهذه الاستهدافات التي أَعْقَبَتْها غارةٌ من مُسَيَّرَةٍ على دراجةٍ ناريةٍ في منطقةِ ميفدون (النبطية الفوقا)، «وقّعتْ» اسرائيل، بحسب أوساط سياسية، «سطراً اعتراضياً» جديداً على أي تسهيلٍ لمهمة الموفد الأميركي توماس براك، عبر إعطاء إشارة حسن نيةٍ ولو عبر خفْض وتيرة الاعتداءات، إن لم يكن وَقْفَها كلياً، في ملاقاة قرار الحكومة اللبنانية بحصْر السلاح في يد الدولة بحلول نهاية السنة من ضمن عملية مُمَرْحَلَةٍ تقوم على مبدأ «الخطوة مقابل خطوة» تَدَرُّجاً حتى انسحاب تل أبيب من كل التلال الخمس التي ما زالت تحتلّها جنوباً.
واكتسب هذا التصعيد الميداني دلالاتِه البالغة الخطورة، ليس فقط لأنه جاء على «الموجةِ نفسها» لشدّ تل أبيب «الحبل» تجاه حركة «حماس» والحوثيين وقادتهما، بل لأنه يسبق العدَّ العَكْسي لجلسة الحكومة اللبنانية في 5 سبتمبر الجاري والتي ستناقش الخطةَ التي كُلّف الجيشُ (في 5 أغسطس الماضي) إعدادَها في ما خصّ كيفية تنفيذ قرار سحب السلاح الذي اتُخذ في التاريخ نفسه وقبل يومين حينها من تبنّي مجلس الوزراء الأهداف الـ 11 للورقة الأميركية - اللبنانية التي يُفترض أنها الإطار التطبيقي لاتفاق وقف النار (27 نوفمبر)، في تطور دَشَّنَتْ معه بيروت مسار «الخطوة خطوة».
ارتدادات التعثّر الكبير
وستُعقد جلسة الحكومة محاصَرة بارتداداتِ التعثّر الكبير الذي أصاب مهمة براك في ضوء زيارته والمبعوثة مورغان أورتاغوس (ووفد الكونغرس) تل أبيب وبيروت من دون:
- الحصول على أي التزاماتٍ صريحة من اسرائيل بالانسحابِ بعد اكتمالِ سَحْبِ سلاح «حزب الله».
- ولا انتزاعِ قبولٍ من اسرائيل بوقف النار كلياً لنحو 15 يوماً بما يسهّل فَتْحَ نقاش جدّي مع الحزب، عبر رئيس البرلمان نبيه بري، حول مستقبل السلاح بموجب المَسار الذي أطلقتْه الورقة الأميركية «الملبْننة».
- وصولاً إلى شِبه «إنزالٍ» نفّذَه الموفدُ الأميركي ومن خارج الورقة «نصاً ولا روحاً»، عبر طرْحه إقامة «منطقة ترامب الاقتصادية» على الحدود الجنوبية وتسويقها على أنها شريان تنموي بديل عن تمويل إيران لبيئة «حزب الله»، في حين أنها واقعياً «الاسم الحركي» للمنطقة العازلة التي تصرّ عليها تل أبيب، وتعمل عليها من جنوب سورية.
وفي حين أن موقف اسرائيل من المقترَح الأميركي بات يراوح في تفسيراته بين ما روّج له براك بأنها تنتظر أن تقرّ حكومة سلام خطة الجيش اللبناني ويتم كشف تفاصيلها وهل تلتزم بجدول زمني محدّد قبل أن تقدّم تل ابيب اقتراحاً مقابلاً وتسير بعملية «الخطوة مقابل خطوة»، وبين تأكيد لبنان الرسمي أن اسرائيل رفضت هذا المسار وتريد اعتماد «الخطوة قبل الخطوة» أي سَحْبِ سلاح «حزب الله» ثم الانسحاب ومن دون ضماناتٍ واضحة بذلك، فإنّ هذا الأمر بات يُثْقِل على حكومة سلام التي كان الحزب استبق وصول الوفد الأميركي الأسبوع الماضي بإعلانه بالصوت العالي رفْض معادلة «الخطوة تلاقيها أخرى» وإصراره على وقف الاعتداءات أولاً والانسحاب وتسليم الأسرى وبدء الإعمار ثم مناقشة السلاح ضمن إطار حوار داخلي حول استراتيجية أمن وطني.
وفي الوقت الذي أرسى لبنان الرسمي، على وقع انفلاش مواقف «حزب الله» المتمسكة بشعار «لا نسلّم ولو طلقة من السلاح»، خيار المضيّ بمسار حَصْرِ السلاح بيد الدولة بمعزل عن مآلات ورقة براك وارتكازاً على «مصلحة عليا» تنطلق من أهداف هذه الورقة التي أُقرت ومَضامين اتفاق الطائف وخطاب القسم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري واتفاق وقف النار والقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، فإن خطةَ الجيش في هذا الإطار تَحَوَّلَتْ بمثابة الناظِم لهذا الخيار الذي تعتبر بيروت أن لا مفرّ من الاستمرار فيه إذا أرادتْ أن تحافظ على «جسر العودة» إلى الحاضنة العربية - الدولية الذي أعادتْ وَصْلَه بقرار استعادة مقومات «الدولة الطبيعية» وتفكيك ترسانة الحزب وإخراج البلاد من «خَنادق» الصراعات الاقليمية كجبهة متقدمة لإيران.
3 سيناريوهات محتمَلة
وفيما كَشَفَتْ معلوماتٌ عن أن ثنائي «حزب الله» و«امل» اللذين تردّد أن وزيرا الحركة وحدهما قد يشاركان عنهما في جلسة الجمعة (دون وزيريْ الحزب)، يرفضان ولو مبدأ مناقشة خطة الجيش حول سحب السلاح الذي يعتبرانه قراراً «خطيئة» ويلاقي «مؤامرة أميركية - اسرائيلية»، فإن أوساطاً سياسية رأت في ضوء ذلك أن الحكومة تقف أمام سيناريوهات محتمَلة في إطار محاولة المواءمة بين عدم تفجير السلطة التنفيذية واستدراج صِدامات داخلية وبين عدم الإطاحة بجسور الثقة التي عاودتْ مَدَّها مع الخارج واستطراداً عدم ترْك «فراغاتٍ» يخشى أن تملأها اسرائيل «بالنار».
- الأوّل أن تقرّ الخطة متضمِّنة جدولاً زمنياً لسحْب السلاح إنفاذاً لمضمون البيان الوزاري والطائف والقرارات الدولية.
- والثاني إقرارها مع الجدول على أن ترهن الحكومة بدء التنفيذ بأن تقوم اسرائيل بما عليها ضمن مسار «الخطوة مقابل الخطوة» وتتعهّد التزامه حتى نهاياته.
- والثالث أن تُقرّ الخطةُ من دون جدول زمني فتذهب خطوة إضافية في تكريس الـ «لا عودة» عن عملية حصر السلاح بيد الدولة، على أن تُعتمد مراحل زمنية بعد أن تعلن اسرائيل بوضوح نياتها الحقيقية والتزامها مندرجات الورقة الأميركية.
- والرابع أن تكتفي بـ «أخذ العلم» بخطة الجيش مع موافقة مبدئية عليها دون قرارٍ رسمي بذلك يُترك صدوره لحين عودة تل ابيب إلى «جادة الخطوة مقابل خطوة».
ولم يكن عابراً في الطريق إلى «الجمعة الصعب» الذي تسبقه أيام عصيبة من اتصالات مكوكية داخلية أن يطلّ بري في الذكرى 47 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه وكأنه يُلقي كلمة «حزب الله» في دلالةٍ على أنه بالحدّ الأدنى يسير بالسقف نفسه المتشدّد الذي يعتمده الحزب في ما خص ما آلت إليه عملية سحب السلاح، التي شقّت طريقَها رغم اعتراض وزراء الثنائي وانسحابهم من جلسة 7 أغسطس، وسط معلومات عن أن ما سمعه نائب رئيس الحكومة طارق متري حين زار بري موفداً من سلام قبل أيام كان متقدّماً حتى على الحزب في رفض كل ما يحصل، وأن الحزب والحركة باتا يتعاطيان مع ملف السلاح على أنه يعني المكوّن الشيعي برمّته.