الراعي دعا لوضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار: للعودة إلى العيش المشترك وبناء وحدة وطنية

لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّ "الكلام الإلهي يقود كلّ مؤمن ومؤمنة إلى معرفة الله، الّذي هو نورنا في الطّريق (مز 119: 185)، لكي "لا نزلّ ونتيه" (مز 121: 3). إنّ كلمة الله هي روح الحياة المسيحيّة وأساسها، فهي تعطي معنى للحضور المسيحي في الشرق الأوسط، وتنعشه، فلا يكون حضورنا مجرّد انتماء اجتماعي أو إنجازات اقتصاديّة، بل ثقافة حياة وحضارة محبّة".
وأشار، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في كنيسة الصّرح البطريركي في الدّيمان، إلى أنّ "الكلمة تذكّرنا بضرورة التزامنا في العالم، والعمل من أجل العدالة والمصالحة والسّلام، ومن أجل المساهمة في جعل المجتمع أكثر إنسانيّة"، موضحًا أنّ "سماع كلام الله في الإنجيل، والعمل بموجبه، واجب حياتي لكلّ إنسان، وبخاصّة لكلّ مسؤول سياسي وإداري في الشّأن العام".
وشدّد البطريرك الرّاعي على أنّ "المسؤولين المدنيّين مدعوّون للعودة إلى "واحد" أساس، هو الالتزام والعمل في سبيل: دولة تُبنى على الحقّ والعدالة، مواطن يحفظ أرضه وهويّته، مسؤول يضع الخير العام قبل المصالح الخاصّة، وبناء وحدة وطنيّة داخليّة تعلو فوق الانقسامات والصّراع على النّفوذ".
وأكّد أنّ "اللّبنانيّين في حاجة إلى الجلوس عند "قدمَيّ الحقّ"، والإصغاء إلى رسالتهم التاريخيّة. هذه الرّسالة موجّهة اليوم إلى الجميع:
- إلى المسؤولين السّياسيّين: أن يضعوا مصلحة الوطن والشّعب كلّه فوق كلّ اعتبار.
- إلى الاقتصاديّين وأصحاب القرار: أن يعيدوا بناء الثّقة بالاقتصاد الوطني.
- إلى المواطنين: أن يصمدوا في أرضهم، أساس هويّتهم وتاريخهم.
- إلى المربّين والرّوحيّين: أن يزرعوا الرّجاء في القلوب والقيم في الرّؤوس.
- إلى الشّباب: ألّا يسمحوا لليأس أن يقتلع أحلامهم، وأن يقطع جذورهم".
وأضاف: "من إنجيل اليوم، ننتقل إلى واقع وطننا لبنان. بين مرتا ومريم نجد صورةً لوطن يعيش صراعًا بين كثرة الهموم والاضطرابات من جهة، والحاجة إلى ثبات على الأساسيّات من جهة أخرى. لبنان اليوم يشبه بيت عنيا: "بيتًا مفتوحًا لله، ولكن مثقلًا بالانشغالات اليوميّة، منغمسًا في الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة".
وركّز الرّاعي على أنّ "وطننا بحاجة إلى "مريم" تجلس عند قدمَي الله لتسمع صوته، وإلى "مرتا" تخدم بصدق وإخلاص، أي إلى قيادة روحيّة تذكّر بالأساسيّات، وإلى مسؤولين يعملون بضمير حيّ. لكنّ العمل بدون إصغاء لكلام الله يتحوّل إلى اضطراب، والإصغاء بدون عمل يتحوّل إلى تقاعس. نحن بحاجة إلى الإثنين معًا".
واعتبر أنّ "لبنان لن يقوم بالانشغال بالصّغائر، بل بالعودة إلى الجوهر، أعني: العيش المشترك، الكرامة الإنسانيّة، الحرّيّة، والمساواة تحت سقف القانون. هذا هو "النّصيب الأفضل" الّذي لا يجوز أن يُنتزع منّا، والّذي إذا فقدناه لن ينفعنا أي شيء آخر".
ودعا إلى أن "نصلّي من أجل وطننا لبنان، لكي يلهم الله أبناءه، قادةً وشعبًا، أن يحسنوا التوازن بين الإصغاء لكلام الله والعمل بموجبه، وبين التأمّل والخدمة. ولنصلِّ من أجل أن يتحوّل قلقنا واضطرابنا إلى ثقة ورجاء، فنكتشف من جديد أنّ "الحاجة إلى واحد"، هو الله الّذي وحده يعيد إلينا سلامنا المفقود".