هل تدفع "هيئة العمل المشترك الفلسطيني" ثمن تسليم السلاح في مخيمات لبنان؟

تتصاعد الخشية في الأوساط الفلسطينية من أن تدفع "هيئة العمل المشترك الفلسطيني" في لبنان ثمن الخلافات الداخلية المتفاقمة، وآخرها ما يتعلق بملف السلاح الفلسطيني في المخيمات، إذ تمضي حركة "فتح" في تسليم سلاحها دون تشاور أو تنسيق مع القوى الفلسطينية الأخرى، الوطنية منها والإسلامية.
وتسليط الأضواء على "الهيئة" اليوم يعود إلى دورها المحوري ونجاحها في تجنيب المخيمات الفلسطينية في السنوات الماضية أتون الفتنة والتوتير في وقت دقيق وخطير، كانت فيه الحرائق تشتعل في المنطقة وتتفاقم الخلافات السياسية اللبنانية الداخلية، ما عزز الثقة والتعاون والتنسيق داخليا ومع الجهات اللبنانية.
وقد جرى تشكيل الهيئة في أيلول 2018 برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، عقب حلّ "القيادة السياسية الموحدة" في لبنان إثر الخلافات الفتحاوية-الحمساوية، وتضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتحالف القوى الفلسطينية، والقوى الإسلامية، وحركة "أنصار الله". ونصّت بنودها على اعتبار الساحة الفلسطينية في لبنان استثنائية، ما يستدعي تناسي الخلافات، غير أنّ عمل الهيئة بقي هشّاً ومتأثراً بالانقسام الفلسطيني الداخلي، وأعيد تفعيلها أكثر من مرة لتبقى على قيد الحياة.
ولاحظت مصادر فلسطينية أنّ الهيئة لم تعقد أي اجتماع خلال الفترة الماضية، رغم القضايا الساخنة التي تخص أبناء المخيمات، وعلى رأسها ملف السلاح. ويأتي ذلك فيما تواصل حركة "فتح" تنفيذ الاتفاق بين الرئيسين جوزاف عون ومحمود عباس في 21 أيار الماضي، والهادف إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، بما في ذلك السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وبموجب الاتفاق، بدأت "فتح" بتسليم السلاح في ستة مخيمات: ثلاثة في منطقة صور (الرشيدية، البص، البرج الشمالي)، وثلاثة في بيروت (برج البراجنة، شاتيلا، مار الياس)، على أن تستكمل العملية تدريجياً في مخيمي عين الحلوة والمية ومية بمدينة صيدا.
لكن التنفيذ كشف سريعاً عن انقسام داخلي، إذ مضت "فتح" منفردة في هذا المسار، فيما أبدى تحالف القوى الفلسطينية، الذي يضم "حماس" وفصائل أخرى، موقفاً مغايراً، مشدداً على تنظيم السلاح داخل المخيمات لا سحبه بالكامل، وفق مسودة تصوّر قدمها التحالف بهذا الخصوص منذ أكثر من شهر.
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أنّ هذا الانقسام يضع الملف أمام مسارين متوازيين: الأول فلسطيني–لبناني تمثّله السلطة ومنظمة التحرير عبر قوات الأمن الوطني الفلسطيني، وقد انطلق بلا عودة. والثاني يمثّله التحالف الذي يتمسك بخيار "تنظيم السلاح" بديلاً عن نزعه، بانتظار ما ستؤول إليه قضية سلاح "حزب الله" لاحقاً ليبني على الشيء مقتضاه.
وسط ذلك، ترتفع التساؤلات حول غياب دور "هيئة العمل المشترك" في معالجة الملف، رغم الدعوات المتكررة لإعادة تفعيلها كإطار جامع. وتشير المصادر إلى أنّ حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير لا تبدو متحمسة لإعادة إحياء الهيئة، مفضّلة المضي في المسار القائم بالتنسيق المباشر مع الدولة اللبنانية.
وبين تفاهمات تُطبّق على الأرض وخلافات لم تُحسم بعد، يبقى ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات مفتوحاً على احتمالات متعددة، رهن قدرة الفصائل على بلورة صيغة مشتركة تضمن أمن المخيمات واستقرار لبنان، وتوازن بين مقتضيات السيادة وهواجس اللاجئين.
وخارج المخيمات، فقد أنهى سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024 الوجود العسكري الفلسطيني عند الحدود مع سوريا، إذ تسلّم الجيش اللبناني المواقع التي كانت خاضعة لتنظيمي "القيادة العامة" و"فتح الانتفاضة"، وصولاً إلى منطقة الناعمة، ما أنهى أي وجود للسلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
تاريخياً، ومع تطبيق اتفاق الطائف في تموز 1991 وانتشار الجيش اللبناني في صيدا وشرقها، انكفأ المسلّحون الفلسطينيون إلى داخل المخيمات، حيث جرى تسليم السلاح الثقيل والمتوسط للجيش اللبناني. ومنذ ذلك الحين، لم يدخل أي سلاح ثقيل إلى المخيمات، بينما يواصل الجيش اللبناني فرض رقابة مشددة عبر حواجزه العسكرية عند مداخلها، مع إخضاع الداخلين والخارجين للتفتيش الدقيق.