لبنان أمام شتاء قاسٍ لم يشهده منذ قرن... حقيقة أم وهم البواحير؟

مع اقتراب فصل الشتاء، يتناقل اللبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة أخبارًا مثيرة للجدل عن أن البلاد مقبلة على شتاء "قاسٍ لم يشهد له مثيل منذ مئة عام". هذه التوقعات، التي تستند إلى تقاليد شعبية مثل ورق التين والملح و"البواحير"، تثير القلق لدى البعض، فيما يعتبرها آخرون مجرّد جزء من الموروث الشعبي المتوارث جيلاً بعد جيل. لكن، هل لهذه المؤشرات الشعبية أي أساس علمي؟
البواحير بين الموروث والعلم
الأب إيلي خنيصر، المتخصص في الأحوال الجوية وعلم المناخ في بوسطن، أوضح في حديث لـ"ليبانون ديبايت" أنّ الركون إلى هذه التقاليد لتحديد ملامح الموسم الشتوي غير ممكن. وقال: "ما بين العلم والتقليد فارق شاسع. البواحير والملح وورق التين لا تُعطي قراءة دقيقة، وقد أثبتت السنوات الماضية أنّ توقعاتها تفتقد إلى المصداقية. في المقابل، التحليل العلمي القائم على الخرائط الحسابية وحركة الضغوط الجوية، ودراسة وضع المحيطات والتيارات، هو الذي يسمح برسم صورة أولية، وإن بنسبة لا تتجاوز 60%، عن طبيعة الشتاء المقبل."
وأشار خنيصر إلى أنّ "العام الماضي خير دليل، إذ امتلأت مواقع التواصل بتوقعات عن شتاء تاريخي، لكن النتيجة كانت مغايرة تمامًا، حيث حالت المرتفعات الجوية دون وصول 12 منخفضًا إلى الحوض الشرقي للمتوسط، فانخفضت نسبة المتساقطات عن معدلاتها بنحو 40%".
التغير المناخي يقلب الموازين
بحسب خنيصر، فإنّ أي دراسة علمية جدّية يجب أن تأخذ في الاعتبار التغير المناخي العالمي الذي قلب موازين الطقس، وقال: المناخ اليوم أصبح أكثر تطرفًا مما كان عليه قبل 25 عامًا. في الصيف نشهد موجات حرّ لاهبة، وفي الشتاء تتساقط الثلوج في مناطق شبه مدارية، ويضرب البرد الحجار مناطق لم تعتد عليه. هذه المعطيات تُسقط أي مقاربة تعتمد على الموروث الشعبي وحده."
ولفت إلى أنّ "الصورة الأولية لشتاء لبنان والمنطقة لن تتضح قبل النصف الثاني من تشرين الأول، مع مغادرة المنخفض الهندي شبه الجزيرة العربية وعودة نشاط الأطلسي والقطب الشمالي"
وعن الحالة الجوية في لبنان خلال الأيام المقبلة، أوضح خنيصر أنّ اليوم الأحد سيكون دافئًا وحارًا نسبيًا على الساحل (29 – 30 نهارًا و24 ليلًا)، في الجبال على ارتفاع 1200 متر: الحرارة بين 26 و27 نهارًا و18 ليلًا، بينما في البقاع: 30 – 31 نهارًا و17 ليلًا.
أما منتصف الأسبوع من الثلاثاء إلى الخميس، فستتراجع الحرارة نحو 3 درجات مع احتمال أمطار متفرقة وسريعة، على أن تعود لترتفع مجددًا بين الجمعة والأحد المقبلين، في ظاهرة توصف بـ"الصيف الثاني بين تشرين وتشرين".
وفي الختام، شدّد خنيصر على أنّ "ما يُتداول عن شتاء لم يشهده لبنان منذ قرن لا يستند إلى أسس علمية راسخة، بل إلى تقاليد شعبية لم تعد تنسجم مع واقع التغير المناخي. الكلمة الفصل تبقى للعلم وللخرائط الجوية التي ستتضح ملامحها مع تقدّم الخريف".