ضوء أحمر أميركي أمام الحرب الواسعة أم... أخضر؟
على وَهْجِ المناخاتِ شديدة الخطورة التي تشيعها تل أبيب عن أن قرار التصعيد ضدّ «حزب الله» اتُّخذ ويَبقى فقط تحديد «المستوى» و«الطبيعة»، بَلْوَرَتْ الولايات المتحدة، إستراتيجيةَ الضغط متعدّد البُعد الذي يتقاطع في كل زواياه على هدف واحد وهو تسليم الحزب سلاحه أو سحْبه منه، في موازاة حرص تل أبيب على تسريبِ «توثيقها» لدى الإدارة الأميركية عدم رضاها على أداء الجيش اللبناني على هذا الصعيد ربْطاً بمزاعمها عن معاودة الحزب تهريب مئات الصواريخ التي عززت مخازنه عبر سوريا.
وقبيل وصوله المنتظَر إلى بيروت، لم يكن عابراً ما أبلغه وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي لوكالة «رويترز»، من أنّ الولايات المتحدة تسعى للاستفادة من «فرصة سانحة» في لبنان تستطيع فيها قطع التمويل الإيراني عن الحزب والضغط عليه لإلقاء سلاحه.
وكشف أنّ إيران تمكّنت من تحويل نحو مليار دولار إلى «حزب الله» هذه السنة رغم مجموعة من العقوبات الغربية التي أضرّت باقتصادها.
وعلى وقع العقوبات الأميركية على شخصين قبل أيام، متّهمَين باستخدام التبادلات المالية للمساعدة في تمويل الحزب، وسط حديث عن موجة جديدة وأعلى مستوى من العقاب المالي، قال هيرلي إنّ «هناك فرصة سانحة في لبنان الآن. إذا استطعنا أن نجعل حزب الله يلقي سلاحه، يمكن للشعب اللبناني أن يستعيد بلده».
وأضاف خلال المقابلة التي أُجريت معه في إسطنبول، إحدى محطات جولته التي تشمل أيضاً لبنان والإمارات وإسرائيل وتهدف إلى زيادة الضغط على إيران، أنّ «المفتاح في ذلك هو التخلّص من النفوذ والسيطرة الإيرانية التي تبدأ بكل الأموال التي يضخّونها لحزب الله».
جاء ذلك، قبيل وصول وفد أميركي رفيع المستوى متخصص في شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية والجرائم المالية إلى بيروت، حيث تناول مع الرئيس جوزاف عون، موضوع مكافحة ضبط تبييض الأموال والعمليات المالية غير الشرعية في لبنان والتي تَعتبر واشنطن أن الحزب أكثر المستفيدين منها كشريان تمويلٍ بديل.
وضم الوفد الأميركي الموسع، إلى هيرلي، نائب مساعد الرئيس والمدير الأول لمكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا، رئيس موظفي مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية بيل باريت، نائب مساعد الوزير للشؤون العامة سبنسر هورويتز، والمستشار أوّل لوكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية مايكل روميه، ومسؤولين آخَرين في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية ومجلس الأمن القومي بينهم دانيال جاكسون ونانسي دحدوح وماكس فان أميرونغن ورودي عطالله.
ورغم أن بعضَ الدوائر رأتْ أن تكثيفَ تفعيلِ عصا العقوبات يمكن أن يشكّل جزءاً من «أدوات» التحفيز العكْسي لإسرائيل على تخفيف تَوَثُّبها لتوسيع الضربات خارج الاستهدافات الموْضعية واستعادة مشهديةِ حرب الـ 65 يوماً خريف 2024 وربما أكثر، فإنّ الأوساطَ السياسية دعت إلى محاذرةِ «سوء قراءة» التطمينات التي يُشاع أن لبنان تلقّاها باستبعادِ «انفجار كبير»، خصوصاً في ضوءِ:
- تجربةِ «الإشارات المتناقضة» والتمويه التي انطبع بها سلوكُ واشنطن وتل أبيب في محطات عدة سبقت هجمات نوعية، على غرار حرب الـ 12 يوماً ضد إيران في يونيو الماضي.
- «الارتباط البدهي» لمسار التفاوض الذي تضغط واشنطن في اتجاه أن يكون مباشراً بين لبنان وإسرائيل بملف المفاوضاتِ المعلّقة بين إيران والغرب، بما يَجعل هذا الترابط ذات تأثير «على خَطَيْن» وبأوعيةٍ متّصلة قد تكون معها أيّ من الحلقتين المتشابكتين مَدْخلاً للتأثير في الأخرى، بالقوة أو على البارد.
- تَجريد حزب الله «رسمياً» للبنان الرسمي من «سلاحِ التحكّم بسلاح الحزب» من خلال الكتاب الذي وجّهه إلى عون ورئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام وأخرج عملياً فيه ترسانته العسكرية من دائرة أيّ تَفاوضٍ ما خلا حوار داخلي حول إستراتيجية دفاعية وبعد أن تكون إسرائيل طبّقت اتفاق وقف النار (27 تشرين الثاني) والشق المتعلق بها منه وتحديداً وقف اعتداءاتها والانسحاب من النقاط التي أبقتْها تحت الاحتلال وإطلاق الأسرى.
ومع مضيّ «حزب الله» في هذا السقف الذي يُرجّح أن يتوّجه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الأربعاء، وصولاً إلى «الارتقاء» به، بإعلان النائب رامي بوحمدان رَفْضَ «أي حديث عن مفاوضات جديدة أو وساطات أميركية أو غير أميركية» في ما بدا غمزاً من قناة المبادرة المصرية، تخشى الأوساط أن تتفيأ إسرائيل أكثر هذا «الجدار المسدود» لزيادة وتيرة اعتداءاتها وربما الضغط على زناد الحرب الواسعة.
وفي حين أكملت إسرائيل اغتيالاتها المتسلسلة لكوادر من الحزب وآخِرهم سقط بغارة على طريق الصوانة - خربة سلم، اليوم الأحد، برز ما أوردتْه هيئة البث الإسرائيلية من أن تل ابيب أبلغت الجيش اللبناني عبر واشنطن بأنه «لا يتحرّك بشكلٍ كافٍ ضد حزب الله».
وتابعت أن «إسرائيل أبلغت واشنطن أنَّ حزب الله جنّد في الأشهر الماضية آلاف المُقاتلين الجُدد»، مشيرة إلى أن «إسرائيل حذرت من تداعيات تهريب حزب الله لمئات الصواريخ من سوريا».
كما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ الجيش الإسرائيلي يستعد لـ «جولة أخرى من إضعاف حزب الله، حتى لو كلفه ذلك بضعة أيام من التصعيد».
وإذ تحدثت عن انقسام داخل إسرائيل في شأن مستوى وطبيعة التصعيد، أوردت أن «سلاح الجو وشعبة الاستخبارات والقيادة الشمالية، أعدوا مسودة خطة هجومية لما يُعرف بإضعاف الحزب»، مشيرة إلى أن «هناك حدثاً آخر من شأنه أن يُزعزع استقرار الوضع وهو وقوع هجوم في بيروت، حيث يقوم الحزب بتسليح نفسها وتخزين الأسلحة». وأضافت «حتى هذه اللحظة لم يهاجم الجيش الإسرائيلي هناك بعد».
وبحسب التقرير فإنَّ «حزب الله تَكَيَّفَ مع الوضع الحالي، مركّزاً على تطوير أسلحة منخفضة التكلفة وسهلة التركيب مثل الطائرات المسيّرة، والتي تُصنّع داخل بيروت نفسها».