جبّانة صيدا القديمة بين الإهمال وانتشار تعاطي المخدرات: مَن يتحمّل المسؤولية؟
تشهد جبّانة صيدا القديمة في الآونة الأخيرة ظاهرة مقلقة تُنذر بخطر اجتماعي وأمني يتفاقم يومًا بعد يوم. فالمكان الذي يُفترض أن يكون واحة للسكينة والراحة الأبدية، تحوّل في بعض أجزائه إلى مساحة يرتادها بعض الشباب لتعاطي المخدرات، في مشهد يثير غضب الأهالي واستياء الزوّار وكل من يمرّ بالموقع.
بحسب شهادات عدد من الزوّار، فإن بعض زوايا الجبّانة باتت تشهد وجود مجموعات تتعاطى المخدرات، ما يشكّل اعتداءً واضحًا على حرمة الموتى، وخرقًا لخصوصية المكان، فضلًا عن خلق أجواء من الخوف والقلق لدى العائلات التي تقصد الجبّانة لزيارة قبور أحبّائها. ويشير الأهالي إلى أن وجود مخلفات التعاطي من علب فارغة وحقن أحيانًا، دليل على غياب الرقابة التامّة.
تعود هذه الظاهرة إلى تراكم الإهمال وغياب المتابعة المستمرة، فالمقبرة تُترك لساعات طويلة دون أي وجود رقابي أو إجراءات ردعية. ومع غياب الإضاءة الكافية، وسهولة الدخول والخروج من أكثر من مدخل غير مراقب، بات المكان بيئة مناسبة لارتكاب ممارسات غير قانونية بعيدًا عن أعين الجهات المعنية.
ويؤكّد عدد من أبناء المنطقة أنّ هذه المشكلة لم تظهر فجأة، بل هي نتيجة تراكم سنوات من الإهمال وعدم اتخاذ خطوات عملية لتنظيم إدارة المقبرة وتأمينها.
هنا يبرز السؤال المحوري الذي يتناقله أبناء صيدا: مَن يتحمّل المسؤولية المباشرة عن حماية جبّانة صيدا القديمة وصَون حرمتها؟
هل تقع المسؤولية على بلدية صيدا بصفتها الجهة التي تتولّى شؤون المدينة وخدماتها العامة؟
أم أنّ دار الإفتاء هي الجهة المرجعية للمقابر الشرعية وبالتالي يقع على عاتقها وضع حراسة وتنظيم لشؤون الجبّانة؟
الإجابة تبدو ضبابية، إذ يلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخر، فيما تبقى المقبرة مكشوفة ومعرّضة لكل أنواع الانتهاكات. وبين تداخل الصلاحيات وغياب التنسيق، يدفع المكان ثمن هذا التراخي، ويدفع معه الأهالي ثمن القلق والخوف من استمرار الظاهرة.
يتفق زوّار الجبّانة وأهالي المنطقة على أن الحلّ يبدأ بقرار واضح من الجهات المعنية، يحدّد الجهة المسؤولة ويُلزمها بوضع خطة حماية عاجلة. ومن بين الإجراءات المطلوبة: تأمين حراسة ثابتة أو دوريات ليلية، إغلاق المداخل الجانبية غير المراقبة، تركيب إنارة وكاميرات مراقبة، وإعادة تنظيم الجبّانة ضمن إطار إداري واضح.
فالسكوت عن هذا الواقع يهدّد بتحويل المكان إلى بؤرة مستمرة للتعاطي، وهو أمر لا يليق بتاريخ المدينة ولا بحرمة موتاها.
جبّانة صيدا القديمة ليست مجرد مساحة دينية ووجدانية، بل جزء من الذاكرة الجماعية للمدينة. وحمايتها مسؤولية مشتركة، لكنّ المطلوب اليوم هو تحديد هذه المسؤولية بشكل واضح واتخاذ خطوات حازمة تمنع تدهور الوضع أكثر. فالمسألة لم تعد تحتمل التأجيل، والمدينة تنتظر جوابًا واضحًا: من يحمي حرمة الموتى؟