اي وجه لعيسى في بيروت: الدبلوماسي ام الاقتصادي؟
واخيراً، وصل السفير الأميركي المعيّن حديثاً في لبنان ميشال عيسى إلى بيروت، ليخلف السفيرة السابقة ليزا جونسون، حاملًا معه خلفية مختلفة عن الدبلوماسيين التقليديين، فهو رجل أعمال ومصرفي سابق، ولد في بيروت وعاش فيها جزءا من طفولته. هذا التعيين اثار تساؤلات حول دلالاته، وما إذا كان سيحدث تغييراً ملموساً في مقاربة الإدارة الأميركية للملف اللبناني، خاصة في ظل المساعي الدبلوماسية الأميركية التي كانت تتولى الملف اللبناني وابرزها مورغان أورتاغوس وتوماس براك.
لا يتوقع احد أن يغيّر وصول عيسى الاحداث على الساحة اللبنانية بشكل دراماتيكي، خصوصاً وان استراتيجية واشنطن العامة تجاه بيروت واضحة ولا تتغير بين ليلة وضحاها وبالتحديد في ظل ثبات الادارة الاميركية الحالية على مواقفها التي تركز على عدة محاور، ابرزها على الاطلاق نزع سلاح حزب الله وتعزيز قدرات الجيش اللبناني (لتولي الاوضاع الداخلية فقط)، بالإضافة إلى الضغط من أجل الإصلاحات الاقتصادية. ومع ذلك، قد يكون لخبرة عيسى في القطاع المالي، ومعرفته بالواقع اللبناني، تأثير على مقاربة الإدارة الأميركية للملف. فمن المحتمل أن يعطي دفعة للمسار الاقتصادي ضمن الأجندة الأميركية، وقد يستفيد من علاقاته السابقة للمساعدة في إيجاد حلول لأزمة لبنان المالية. في المقابل، فإن وجوده لن يغير الأهداف الاستراتيجية الأميركية الأوسع، والتي تتجاوز تأثير أي سفير بمفرده.
أما بالنسبة لدور كل من أورتاغوس وبراك، فتشير المصادر إلى أن تأثيرهما على الملف اللبناني سيتراجع بعد وصول عيسى، خاصة وأن دور براك كان موقتاً منذ البداية. فمع تعيين عيسى كسفير كامل الصلاحيات في بيروت، ستنتقل المسؤولية الكاملة للملف إليه، بعد أن كانت مشتتة بين عدة مسؤولين أميركيين، كما ان قربه من الرئيس الاميركي دونالد ترامب، يعطيه حضوراً معنوياً مهماً لا يمكن تجنّبه بسهولة. ورغم إعلان أورتاغوس عن تطلعها للعمل معه، إلا أن عيسى سيصبح الممثل الرسمي والوحيد للإدارة الأميركية في لبنان، مما يعزز دور السفارة ويعيد التركيز الدبلوماسي إلى المسار التقليدي.
اما بالنسبة إلى التوقعات حول مستقبل لبنان، فلا يمكن فصل مهمة عيسى عن الوضع الإقليمي المعقد. ومع ذلك، يمكن استنتاج بعض السيناريوهات المحتملة:
الضغط الاقتصادي: بناء على خلفيته المصرفية، قد يركّز عيسى على الضغط لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية في لبنان، وربط المساعدات الدولية بتنفيذها بشكل فعّال.
- تصاعد الضغط على حزب الله: لا تزال واشنطن تضع نزع سلاح حزب الله على رأس أولوياتها، وقد يؤدي وصول عيسى إلى تصعيد الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على الحزب.
- استمرارية الوضع الراهن: لا يمكن استبعاد سيناريو عدم حدوث تغيير كبير. فخبرة عيسى قد تسهّل التواصل مع مختلف الأطراف اللبنانية، لكن العوامل الإقليمية والدولية الأوسع قد تحدّ من قدرته على تحقيق اختراقات كبرى.
- تفعيل الدبلوماسية: يمكن لخبرة عيسى ومرونته أن تعيدا تنشيط المسار الدبلوماسي مع لبنان، خاصة بعد إعلان التزامه الشخصي والمهني بمهمته.
يُشكل وصول عيسى وتسلمه مهامه، نقطة تحوّل محتملة في مسار العلاقات الأميركية-اللبنانية. فبينما تشير خلفيته المختلفة عن الدبلوماسيين المحترفين إلى اهتمام أميركي جديد بالملف الاقتصادي، فإن التحديات الإقليمية والداخلية المعقدة في لبنان قد تحد من قدرته على تحقيق اختراقات كبيرة بمفرده. واذا كانت قدراته الدبلوماسية في ما خص سلاح الحزب وترتيب العلاقة بين لبنان واسرائيل على الصعد كافة، محدودة ومرسومة سلفاً، فإن قدراته الاقتصادية والمالية (التي كانت السبب المباشر في تقرّبه من ترامب)، تأخذ مساحة اكبر من دون شك، وقد يكون لها تأثير مباشر ورئيسي على مستقبل لبنان الاقتصادي والمالي.