عودة: استقواء فريق على الآخرين أو خروج فئة عن سلطة الدولة لا يبني وطنًا ولا يمنح المنشقّين مكانةً
أشار متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عودة، إلى أنّ "الإنسان قد يكون فقيرًا ولا يملك مخازن ولا غلالًا، لكنّه يملك قلبًا مليئًا بالله، فيكون أغنى من الغني الغبي. يقول القديس إسحق السرياني: "الغني الحقيقي هو من اكتفى بالله، لأنّه يمتلك من يمتلك كلّ شيء".
وأوضح، خلال ترؤّسه خدمة القدّاس في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، أنّه "إذا لم يُربط الغنى الزّمني بالله يصبح عبئًا، أمّا الفقر المتواضع فإذا ارتبط بالله يصير كنزًا"، مبيّنًا أنّ "المشكلة ليست في الكنز، بل في الوجهة الّتي يوجَّه إليها الكنز". وركّز على أنّ "المسيحي لا يخلص بمفرده إنّما مع الجماعة، في الشّركة والجسد الواحد. لذا نقول في القدّاس الإلهي: "لنودع أنفسنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا للمسيح الإله".
وشدّد المطران عودة على أنّ "الوحدة المتمركزة حول الذّات تقود إلى الموت الرّوحي، أمّا الكنيسة فهي شركة المؤمنين وجسد المسيح. قال القديس كيرلس الإسكندري: "من يعيش لذاته يموت في ذاته، ومن يحيا للمسيح يحيا بالذّين للمسيح"، مؤكّدًا أنّ "الحياة المسيحيّة خروج من الذّات وانفتاح على الله، وانسياب نحو الآخر بالمحبّة. الغني أغلق أبواب مخازنه وقلبه، فأغلقت أمامه أبواب السّماء. أمّا الإنسان الّذي يبنى على حجر الزّاوية فيفتح قلبه ويفتح الله أمامه أبواب الأبديّة".
ولفت إلى أنّ "هذا ينطبق على الحياة في الوطن. المواطن لا يعيش بمفرده في وطنه بل مع الآخرين، يتشاركون أرضًا واحدةً، تحميهم دولة واحدة، ويذود عنهم جيش واحد. فإذا ما انفرد جزءٌ من المواطنين عن الآخرين يختلّ التوازن وتتفكّك الدّولة"، مشيرًا إلى أنّ "هذا ما عايشناه مرارًا في تاريخ هذا الوطن ولم نتعلم. وهذا ما أدّى إلى كوارث وحروب في حياة لبنان".
كما تساءل "متى يعي اللّبنانيّون أنّ في استقواء واحدهم على الآخر، أو تفرّد حزب أو طائفة أو دين أو جماعة في اتخاذ القرارات عن الجميع، خراب للوطن؟"، جازمًا أنّ "استقواء فريق على الآخرين، أو جموح حزب عن إرادة الجماعة، أو خروج فئة على سلطة الدّولة، لا يبني وطنًا ولا يمنح المنشقّين عن الجماعة مكانةً ولا ديمومة".
وأفاد عودة بأنّ "التاريخ شاهد على اضمحلال هؤلاء الّذين يشبهون غني مَثَل اليوم، الّذي جَمع الغلال ومات دون التمتع بها، عوض الاستظلال بتعاليم الله والعمل بهديها. الدّواء الوحيد أن لا يلتفت المواطن إلى مصالحه ويبني لذاته، عوض أن ينضوي في كنف الدّولة ويتشارك مع الآخرين المصير، فتكون حياته مبنيّة على أساس صلب لا يتزعزع".
ودعا إلى أن "نسأل ذواتنا على أي أساس نبني؟ ما هو الحجر الّذي يستند إليه وجودنا؟ ما هو الكنز الّذي نبحث عنه؟ هل نحن من الّذين يكنزون لأنفسهم أم من الّذين يغتنّون بالله؟ فلننظر إلى داخلنا بصدق، ولنطلب إلى المسيح أن يهدم ما بناه الكبرياء والخوف والعداوة، وأن يقيم فينا البناء الجديد الّذي تتحوّل فيه الحياة كلّها إلى هيكل حي ترفع فيه صلاة القلب بلا انقطاع".
وختم: "صلاتنا اليوم، وقد احتفلنا بالأمس بذكرى الاستقلال، أن يحفظ الرّبّ لبنان بلدًا سيّدًا، حرًّا، مستقلًّا، موحّدًا ومشعًّا، وأن يحفظ اللّبنانيّين السّاعين بصدق إلى خير بلدهم ووحدته وديمومته والحفاظ على استقلاله".