صفحة عراقجي الجديدة بإنتظار المفاوضات مع واشنطن؟!

إنطلاقاً من التطورات القائمة على الساحتين المحلية والإقليمية، برزت زيارة وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي إلى لبنان، نظراً إلى المؤشرات التي حملتها المواقف التي أدلى بها، بالإضافة إلى تلك التي صدرت عن معظم المسؤولين الذين إجتمع بهم، حيث كان العنوان الأهم تركيزه على معادلة فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.
في هذا السياق، لا يمكن فصل المقاربة الإيرانية، التي عبر عنها عراقجي، عن التحولات القائمة، تحديداً بعد إتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ثم سقوط النظام السوري السابق، على إعتبار أنها تحمل في طياتها تراجعاً في حضور طهران على الساحة الإقليمية، لا سيما أن ذلك ترافق مع تقدم حضور العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، أبرزهم الولايات المتحدة وتركيا والسعودية، بالإضافة إلى إسرائيل، التي يعلن رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، بشكل شبه دائم، رغبته بالإستمرار في مسار تغيير وجه الشرق الأوسط.
إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن إيران، بحسب ما أوحى وزير خارجيتها، تدرك الواقع الجديد، سواء كان ذلك في لبنان أو المنطقة، ولذلك لم تبادر إلى الذهاب لمواقف من الممكن أن تُصنف، من قبل البعض، على أساس أنها إستفزازية، بل على العكس كان التركيز على إحترام سيادة البلاد وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة، خصوصاً أنها، على المستوى العام، تسعى إلى التهدئة على المستوى الإقليمي، من خلال الإنفتاح على مجموعة من القوى التي كانت على خصومة معها في السنوات الماضية.
في المقابل، ترى المصادر نفسها أن طهران، التي تنتظر نتائج مفاوضاتها مع واشنطن، لن يكون من المتوقع أن تقرر مغادرة الساحة اللبنانية، خصوصاً أنها، بالرغم من كل التحولات، لا تزال تحافظ على مروحة واسعة من الحلفاء الأقوياء، لكنها على ما يبدو إختارت الذهاب إلى الأسلوب الهادئ في التعامل مع الواقع الجديد، بعد إنتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون وتشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام، عبر عرضها المساعدة في عملية إعادة الإعمار، من خلال الدولة، خصوصاً أن باقي الجهات الخارجية لم تبادر إلى القيام بأي خطوة جدية في هذا المجال.
في هذا الإطار، من الطبيعي أن يشعر حلفاء إيران في لبنان بالراحة بعد هذه الزيارة، على عكس ما هو حال باقي الأفرقاء، الذين ربطوا ما وصف بأنه إيجابي، في مواقف عراقجي، بالتنفيذ الفعلي في المستقبل، رغم تفضيلهم التعامل مع الجهات الإقليمية الأخرى، التي هم على تحالف معها، لكن الأهم هو الإشارات التي وردت في مواقف المسؤولين اللبنانيين.
حول هذا الموضوع، ترى أوساط سياسية، عبر "النشرة"، أنه قد يكون من المنطقي الإبتعاد عن تلك التي أدلى بها وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي، على إعتبار أن العديد من الأفرقاء، خصوصاً الذين هم على تحالف مع طهران، يعتبرون أن كل ما يصدر عنه إستفزازي، الأمر الذي قاد إلى إطلاق حملة، على مواقع التواصل الإجتماعي، تتناول كل تفصيل رافق لقائه مع نظيره الإيراني، لكنها في المقابل تشدد على أنه لا يمكن تجاوز ما صدر عن رئيسي الجمهورية والحكومة.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، عراقجي سمع، خلال زيارته إلى بيروت، كلاماً واضحاً حول طبيعة العلاقة بين البلدين، حيث كان تشديد عون على أن لبنان يتطلع إلى تعزيز العلاقات بين البلدين من دولة إلى دولة، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل على مسألة إعادة الإعمار وفق القوانين المرعية الإجراء، إلى جانب أن الإشارة إلى أن دولاً كثيرة في المنطقة، من إيران إلى دول الخليج فلبنان، عانت الكثير من الحروب ونتائجها السلبية، بينما أكد سلام أن لبنان حريص على العلاقات الثنائية، على قاعدة الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة البلدين.
في المحصلة، تشدد هذه الأوساط على أنه، رغم حديث وزير الخارجية عن صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين، فإن الأمور تبقى مرتبطة بالصورة التي سترسي عليها المنطقة في المرحلة المقبلة، لا سيما أن الكثير من التحولات من الممكن أن تحصل، حيث يبقى الأهم، من وجهة نظرها، نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية، والتداعيات التي من الممكن أن تتركها على بعض الملفات الإقليمية، لا سيما أن لبنان من أكثر الدولة التي ستتأثر بأي مسار تسلكه تلك المفاوضات.