هل تتعرّض الحكومة لهزّة سياسيّة؟

شكّل ترحيب الحكومة بخطة قيادة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة حدثاً بالغ الأهمية في مسار الأزمة الوطنية، إذ يُعدّ للمرة الأولى منذ سنوات طويلة أنّ مؤسسة دستورية تمضي قدماً في تبنِّي خريطة طريق واضحة لمعالجة واحدة من أعقد المعضلات اللبنانية. غير أنّ هذا القرار الذي كان يُفترض أن يشكّل عامل التقاء داخلي، تحوّل سريعاً إلى عنوان انقسام، مع انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة، ما كشف مجدداً حدود التفاهمات الوطنية وعمق المأزق الطائفي والسياسي.
الترحيب بالخطة، وهو المخرج اللفظي المخفَّف لعبارة إقرار الخطة، ليس فقط خطوة إجرائية، بل هو إعلان سياسي بأن الدولة، أو على الأقل جزءاً وازناً من مكوّناتها، قررت مواجهة ملف السلاح خارج الشرعية بشكل مباشر. هذه الخطوة جاءت نتيجة ضغوط متراكمة: داخلية من قوى سياسية وشرائح شعبية ترى في السلاح تهديداً دائماً للاستقرار، وخارجية من أطراف دولية وإقليمية تطالب الدولة بإثبات قدرتها على فرض سلطتها السيادية. وبالتالي، تكون الحكومة قد أرسلت إشارة واضحة بأن زمن إدارة الظهر لهذا الملف قد انتهى.
في المقابل، يطرح انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة إشكالية عميقة على مستوى الميثاقية. فغياب المكوّن الشيعي عن القرار، حتى لو لم يسقطه دستورياً، يسلبه الغطاء الكامل. هذا يعيد التذكير بأن أي محاولة لبناء سلطة الدولة من دون شراكة حقيقية مع كل الأطراف محكومة بالتعثر. فالثنائي يرى أن الخطة تستهدف عملياً مكوّناً كاملاً وتفتح الباب أمام إضعاف موقعه الإقليمي في ظل التوتر المستمر مع إسرائيل، وهو ما يجعله يتعامل مع الإقرار كخط أحمر لا يمكن تجاوزه.
تتمثّل أولى التداعيات المباشرة في تعريض الحكومة لهزّة سياسية تهدِّد قدرتها على الاستمرار بالزخم المطلوب. فمن الصعب تصوُّر تنفيذ خطة بهذا الحجم فيما فريق أساسي داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية يرفضها ويقاطعها. كما أنّ الخلاف سينعكس حتماً على باقي الملفات الحساسة، مثل التعيينات، الإصلاحات الاقتصادية، والعلاقة مع المؤسسات الدولية. أي أن الخطة، بدلاً من أن تكون مدخلاً لتعزيز الدولة، قد تتحوّل إلى عنصر شلل إضافي في الحياة السياسية.
أما على المستوى العسكري، فإن الخطة تضع قيادة الجيش أمام اختبار بالغ الصعوبة. فالجيش مطالب بتنفيذ قرار حكومي مصادق عليه، لكنه في الوقت نفسه يدرك أنّ أي مواجهة مباشرة مع بيئات حاضنة للسلاح قد تؤدي إلى تفجير الوضع الداخلي. ومن هنا، يُتوقع أن يلجأ إلى مقاربة مزدوجة تقوم على التدرُّج والحوار من جهة، والحزم في تطبيق بعض الإجراءات من جهة ثانية. نجاح هذه المقاربة سيحتاج إلى غطاء سياسي واسع ودعم دولي فعّال، خصوصاً أن الجيش يعاني أساساً ضائقة مالية ولوجستية.
سياسياً، يعمِّق القرار الشرخ بين محورَيْن متناقضَيْن: محور يرى أنّ بناء الدولة لا يكتمل من دون حصرية السلاح وفرض السيادة، ومحور يعتبر أنّ أي بحث في هذا الملف خارج معادلة «المقاومة» ضد إسرائيل يوازي نزع عنصر قوة وطني. هذه الهوة بين الرؤيتين ليست تقنية بل وجودية، لأنها ترتبط بهوية لبنان ودوره الإقليمي وموقعه في صراع المحاور. وبالتالي، فإن إقرار الخطة يعيد فتح النقاش حول طبيعة النظام السياسي وقدرته على استيعاب التناقضات الكبرى.
في أي حال، لا يمكن فصل ما حصل عن المشهد الإقليمي الأوسع. فالدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، تضغط منذ سنوات لتقوية مؤسسات الدولة على حساب القوى المسلحة غير النظامية. كما أنّ عدداً من الدول العربية يشترط تقدُّم الدولة في هذا الملف كمدخل لدعم اقتصادي ومالي.
في المقابل، ترى إيران وحلفاؤها أنّ الحفاظ على سلاح «المقاومة» جزءٌ من استراتيجية ردع إقليمية أوسع. وعليه، فإن القرار الحكومي يُقرأ أيضاً كرسالة إلى الخارج بأن الدولة تحاول أن تُثبت التزامها بخطاب السيادة، ولو على حساب الانقسام الداخلي.
المشهد المقبل مفتوح على أكثر من احتمال. إذا نجح الجيش في اعتماد مقاربة تدريجية واحتوائية، قد يتمكن من فرض خطوات على الأرض تعطي زخماً سياسياً وتُظهر قدرة الدولة على الإمساك بالملف، ولو بشكل محدود. أما إذا تصاعدت المواجهة مع القوى الرافضة، فقد يدخل البلد في مرحلة تعطيل حكومي وشلل مؤسساتي، وربما توتُّرات أمنية متنقلة. وبين الاحتمالين، يبقى العامل الدولي حاسماً: فالدعم الخارجي للجيش والحكومة يمكن أن يوفّر مظلة توازن تمنع الانهيار