المصيلح تحرك الدولة: لماذا جاءت الشكوى إلى مجلس الأمن الآن؟

بعد العدوان الإسرائيلي على معارض الجرافات والآليات في المصيلح، بدا وكأنّ الدولة اللبنانية استيقظت من غيبوبة طويلة دامت حوالي 11 شهراً، فكانت زيارات الوزراء الى المكان المستهدف، وطلب رئيس الحكومة نواف سلام من وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي تقديم شكوى فورية إلى مجلس الأمن، وهو ما يجعل التساؤلات حول سبب هذه الصحوة في هذا التوقيت أمراً مشروعاً.
لم يأت هذا الإستنفار في أعقاب أول عدوان على لبنان عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، ولا هو الأشد قسوة على أرواح المدنيين، لذلك اُثيرت التساؤلات حول التوقيت، فلماذا الآن بعد أشهر من الصمت الذي كان يُكسر أحياناً من بعض الوزراء من خلال اتهام حزب الله بالتسبب بالاعتداءات الاسرائيليّة كونه لم يسلم سلاحه.
وجهة النظر، الأكثر تداولًا في الجنوب، تضع المسألة في سياقٍ مختلف عن السياسة، وهو ما يُوجب على هذه الحكومة أن تتعامل معه بجدية كونه يؤشّر إلى نظرة الغالبيّة الساحقة من الجنوبيين لأداء هذه "الدولة"، فالعديد من الأصوات ترى أنّ ما حرّك الحكومة هذه المرة لم يكن نوع الهدف بل هوية المتضررين، لأنّ بعضهم ينتمي إلى إحدى الطوائف، ما استدعى تحركاً سريعاً وحديث فوري عن التعويض وهو ما لم يحصل بعد أي اعتداء سابق.
بحسب رأي هؤلاء، فإن "الدولة" ما زالت تتحرك وفق حسابات داخلية لا وطنية، وهو ما تنفيه مصادر وزارية متابعة، مشيرة عبر "النشرة" إلى أن الحكومة تحركت لأسباب سياسية تتعلق بطبيعة العدوان ورسائله التي طالت أكثر من جهة وكانت الحكومة إحداها، والأهم أنها قررت تغيير سياستها التي كانت معتمدة وهي ستلجأ الى تكثيف عملها الدبلوماسي والضغط على اسرائيل خصوصا بعد الوصول إلى اتفاق في غزة لإنهاء الحرب، وهو ما تريده أن ينعكس على لبنان أيضاً.
وجهة نظر أخرى، ترى أنه بعد مواقف رئيس مجلس النواب حول ملف الإعمار وانتقاده الصمت الرسمي تجاه الاعتداءات، وجدت الحكومة نفسها في موقع الدفاع عن النفس، فالصمت لم يعد ممكناً وإلا ارتقى إلى مصاف التواطؤ، لذلك جاء قرار تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن بمثابة حركة سياسية تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع الحرج السياسي عنها، بمعنى أن الحكومة تحركت لأنّها شعرت بالإحراج لا بالاعتداء، ولأنّها خشيت من اتهامها بالتقصير لا من اتهام العدو بالعدوان.
أما الأخطر فهو وجهة النظر التي تقول أن سبب تحرك الحكومة هذه المرة كان "مدنية الهدف"، فالسبب الأول الذي قدّمه الخطاب الرسمي، كان أن القصف طال منشآت "مدنية"، أي أنه تجاوز حدود "المسموح" إسرائيلياً وفق المنطق الغريب الذي تبنّته بعض الأطراف في الخارج والداخل، وهنا تكمن خطورة الموقف، لأن الدولة حين تتحرك فقط لأنّ الهدف مدني، فهي تُسقط حقها في التحرك عندما يكون الهدف عسكرياً، وكأن العدوان يصبح نسبيا تبعا لنوع الهدف لا لطبيعة المجرم الذي يعتدي على لبنان واللبنانيين، فهل الحكومة بأغلبية وزرائها تعتبر العدوان الإسرائيلي مبرراً بحال طال منشآت عسكرية لحزب الله أو اغتيالات لعناصر يتبعون له؟.
الجواب على هذه التساؤلات سيكون رهن المقبل من الأيام، فالحكومة مدعوة اليوم لتفعيل العمل الدبلوماسي بوجه العدوان الإسرائيلي، خصوصاً أن ما تريده اسرائيل هو التسليم بكل ما تقوم به بحجة الدفاع عن أمنها، ومن واجب الحكومة اللبنانية الدفاع عن أمن لبنان، فكيف ستفعل ذلك؟.