اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

"صندوق الاغتراب" يفجّر اشتباك الصلاحيات... ما مصير الانتخابات؟!

صيدا اون لاين

على الرغم من الهواجس الأمنية على وقع الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة، والتي حطّت في اليومين الماضيين في البقاع إضافة إلى الجنوب، وسط مخاوف لم تعد خافية على أحد من رغبةٍ مضمَرة لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتنياهو​ بالتصعيد العسكري، طالما أنّ المساعي الدبلوماسية تبدو عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلَنة، عاد الاستحقاق الانتخابي، المفترض العام المقبل، إلى صدارة المشهد، من بوّابة احتدام السجالات السياسية حوله.


فعلى خلفية البند الخاص باقتراع المغتربين في ​قانون الانتخاب​، اشتعل الاشتباك السياسي مرّة أخرى، في ضوء ما يمكن وصفه "تنازعًا على الكرة" بين الحكومة ومجلس النواب، الذي دعا رئيسه ​نبيه بري​ إلى جلسة تشريعية جديدة من دون أن يدرج بند قانون الانتخاب على جدول أعماله، ما أثار غضب المعارضة التي تعتبر أنّه يتجاوز حدود صلاحياته، خصوصًا أنّ 67 نائبًا سبق أن وقّعوا على عريضة يطالبون فيها بإدراج اقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل القانون.


وتختلف وجهات النظر بشأن بند اقتراع المغتربين بين مطالبين بالالتزام بالنص القانوني، الذي استحدث ستة مقاعد لهم، مستغربين سبب التراجع عن التطبيق، حتى ممّن وصفوا إقرار البند يومها بـ"الإنجاز"، ومطالبين في المقابل بتكرار تجربتي 2018 و2022 حين صوّت المغتربون للنواب الـ128، كلّ في دوائرهم الأمّ، وذلك منعًا لتهميش المغتربين، وحصرهم في ستة نواب، لا يُعرَف حتى الآن كيف سيُوزّعون بين قارات ودول العالم.

وفيما يتقاطع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة على تكرار خطاب "الانتخابات في موعدها"، وقد أضاف إليه بري أيضًا رفض التمديد التقني ولو لثلاثة أيام، يخشى كثيرون أن يكون كلّ النقاش الحاصل اليوم تمهيدًا ل​تأجيل الانتخابات​ إما تحت العنوان الأمني، في حال تصعيد إسرائيل لعدوانها ضد لبنان، أو التقني، بذريعة تعديل القانون، لضمان حقّ المغتربين بالاقتراع، من دون أيّ التباس.
حتى الآن، يبدو الثابت أنّ الاشتباك السياسي آخذ في التصاعد، فالحكومة ترمي الكرة على مجلس النواب، ورئيس البرلمان يصرّ على أنّ قانون الانتخاب غير مطروح في الوقت الحالي على الأجندة، ويشدّد على رفض أي تعديل له قد يُفهَم على أنه تمهيد لتأجيل الانتخابات، وهو يتمسّك بضرورة إجراء الانتخابات وفق ما ينصّ عليه القانون، أي على قاعدة استحداث ستة مقاعد إضافية للاغتراب في مجلس النواب.

بهذا الموقف، يتجاهل بري مطالب المعارضة، التي سبق أن قدّمت اقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل آلية اقتراع المغتربين، وألحقته بعريضة وقّعها 67 نائبًا طالبوا بموجبها بإدراج البند على جدول أعمال أول جلسة تشريعية، وهو ما لم يحصل. وتلوّح المعارضة برفع السقف أكثر، فمقاطعة الجلسات التشريعية خيار وارد، ولو أدّى ذلك إلى شلّ البرلمان وتعطيل دوره التشريعي، طالما أنّ رئيسه "يصادر كل الصلاحيات"، وفق تعبير أوساطها.

لكن، لماذا وصل الاشتباك إلى هذا الحدّ، رغم أنّ تجربتين سابقتين حصلتا في دورتي 2018 و2022 من دون كلّ هذه الضجة؟ قد تكون الإجابة في سؤال آخر، يختصر وجهتي النظر، وهو: هل يُعامَل المنتشرون كـ"دائرةٍ فوق-قارية" بتمثيلٍ محدودٍ بستّة مقاعد، أم كناخبين كاملين يُسقطون أصواتهم على دوائرهم الأمّ؟.
بالنسبة إلى أصحاب الرأي الأول، فإنّ الواقعية الإدارية تتطلب التقيّد بالنص القانوني، الذي أقرّه النواب، لكنه لم يطبَّق ولو لمرّة واحدة، ويضيفون إلى ذلك هاجسًا سياسيًا، يتعلق بصعوبة ضبط صندوق الاغتراب، ويتحدثون عن مساواة منقوصة في ضوء القيود المفروضة على كثيرين في دول العالم. لكنّ أصحاب الرأي الثاني ينطلقون أيضًا من المساواة ليرفضوا ما يعتبرونه "تهميشًا" للمغتربين، فلا معنى برأيهم لمواطنة منقوصة تُحصر بستّة مقاعد رمزية.

ولأنّ تجربتي 2018 و2022 أثبتتا إمكان "الشراكة الكاملة" من خلال تسجيل المغتربين للاقتراع للنواب الـ128، بحسب دوائرهم الأصلية، تستغرب أوساط المعارضة "تصلّب" بري في رفضه إدراج البند بذريعة أنّه لا يريد تأجيل الانتخابات، وهو الذي يعرف أنّ حسم الأمر يضمن إجراء الانتخابات، وتلفت إلى أنّ بري لا يجوز له أن يصادر دور النواب، ولو كان رئيسهم، وعليه أن يطرح البند على الطاولة، احترامًا لموقعه، ولأصول الديمقراطية.

هنا، ثمّة من يراهن على دور يمكن أن يلعبه رئيس الجمهورية جوزاف عون لتقريب وجهات النظر، ومنع تفاقم الخلاف، وكان لافتًا أنّ الرئيس حرص في الموقف الذي أطلقه على تكريس معادلة "ثنائية"، قوامها إجراء الانتخابات في موعدها، وحق الاغتراب بالمشاركة. صحيح أنّ الرسالة تقبل أكثر من تأويل، يمكن أن يستخدمه كلّ طرف بما يخدم سرديّته، لكنّ الصحيح أنّها تزيد الضغط على الممسكين بالمفاتيح التشريعية والتنفيذية، لإنجاز الأمر.
عمليًا، لا تزال الصورة مبهَمة، في ظلّ سيناريوهات مفتوحة للأزمة التي زادت من حدّتها دعوة بري لجلسة تشريعية الأسبوع المقبل، بجدول أعمال يخلو من قانون الانتخاب، ما قد يدفع المعارضة إلى المقاطعة. ومن السيناريوهات التي تُطرَح في الأوساط السياسية أيضًا أن يعود بري ليدرج البند في اللحظة الأخيرة، لكن بعد تفاهمات على "صيغة وسط" لا تبدو واضحة، ليبقى الخيار الأخير الذهاب إلى التصويت على البند في مجلس النواب.

لكنّ السيناريو الأخير لا يبدو واقعيًا للمطّلعين على الدهاليز اللبنانية، إن لم تسبق تسوية خلف الكواليس، علمًا أنّ هناك من يعتبر أنّ كلّ ما يحصل في هذا الإطار "منسَّق"، وأنه عبارة عن توزيع أدوار في سياق التحضير لتأجيل مقنّع للانتخابات، خصوصًا أنّ كلّ المؤشرات والمعطيات المتوافرة تؤكد أنّ "شبهة التأجيل" تطال الجميع من دون استثناء، ولا سيما أولئك الذين يكرّرون ليلاً ونهارًا رفضهم للتأجيل والتمديد، تحت أيّ عنوان من العناوين.

في النتيجة، لا تبدو المشكلة تقنيةً بقدر ما هي سياسية، أولاً في تعريف "أثر" صندوق الاغتراب، بين من يريده محدودًا بستة مقاعد، ومن يريده مفتوحًا على الدوائر، وثانيًا في رسم مصير الانتخابات ككلّ. وفي ضوء الانقسام الحاصل، يبدو أنّ لا مَخرَج للأزمة إلا بتفاهم سياسي يضمن أمرين معًا: عدم اللعب بالروزنامة تحت أي مسمّى، وحقّ المنتشرين كشركاء حقيقيين، لا كـ"زينة تمثيليّة"، إن صحّ التعبير!.

تم نسخ الرابط