خيارٌ قسريّ أمام اللبنانيّين... وظاهرةٌ تتفاقم
 
                            يجد الكثير من اللبنانيّين أنفسهم أمام خيارٍ صعب وسط التحديات اليوميّة التي لا تنتهي: إمّا التحرّك أو التجمّد. ولكن ماذا يحدث عندما يُصبح التجمّد النفسي هو الحلّ الوحيد؟ ما هي هذه الظّاهرة؟ ولماذا تزداد انتشاراً في لبنان؟
مصطلح "التجمّد النفسي" يُشير إلى حالةٍ من الإنهيار النفسي الذي يُعاني منه عددٌ كبير من اللبنانيّين بسبب الأزمات المتعدّدة، ما يؤدّي إلى الشّعور بالجمود والعجز وفقدان الأمل. ويتجلّى ذلك في عوارض مثل القلق والحزن والغضب واضطراب النوم والأكل وصعوبة في التّعامل مع الحياة اليوميّة والمهام الأساسيّة، وقد يتفاقم بسبب الصّدمات مثل الانفجارات والأحداث الأمنيّة المُتتالية.
من الخارج، يظهر التجمّد النفسي كأنّه حالة من اللامبالاة مع انفصال عن الواقع، إلا أنّه في الحقيقة بمثابة آليّة دفاعيّة يلجأ إليها الفرد للتّعامل مع الضّغوط اليوميّة بعد تراكمات طويلة، وفق ما يقول علم النّفس.
أمّا في ما يتعلّق بالأسباب، فحدِّث ولا حرج. نعرفها جميعاً ولا حاجة لإعادة ذكرها خصوصاً أنّها لا تتّسع في هذه السّطور. ولكن لا بدّ من تسليط الضّوء على ما سبّبته الأزمة من نزوح بعض الأطباء والمحترفين في المجال الطبي ما دفع إلى هجرة حوالى 3500 طبيب من بينهم أطباء نفسيّين. أمّا بالنسبة للعديد ممّن بقوا في لبنان، فيعمل معظمهم في القطاع الخاص.
وتُبيّن دراسة أجرتها إدارة الإحصاءات المركزيّة ومنظمة العمل الدوليّة في العام 2022، أنّ 81 في المئة من العمالة تتركّز في القطاع الخاص بينما توجد 16.1 في المئة من العمالة في القطاع العام. في المقابل، فإنّ عدد المختصّين في الصحة النفسيّة قليل جدًّا بالنّسبة إلى العدد الإجمالي للسكان. ووفق أرقام العام 2022، هناك 1.21 طبيباً نفسيًّا، و3.14 ممرّضة، و3.3 اختصاصي نفسي لكلّ 100 ألف شخص في لبنان.
كذلك، أصدر البنك الدولي تقريراً حول الآفاق الاقتصاديّة لمنطقة الشرق الأوسط وكشف أنّ معدّلات الفقر في لبنان ارتفعت بسبب فقدان الأسر قدراتها الشرائيّة خلال فترة الأزمة الاقتصاديّة. وذكر التقرير أنّ نسبة السّكان الذين يعيشون دون خطّ الفقر على ارتفاع دائم حيث إن نسبة الأفراد الذين يكسبون أقلّ من 3 دولارات يوميًّا زادت من 0.1 في المئة في العام 2013 إلى 5.9 في المئة في العام 2023. في حين أنّ نسبة الأفراد الذين يكسبون أقلّ من 4.2 دولار يوميًّا ارتفعت من 0.3 في المئة إلى 16 في المئة، ونسبة الذين يكسبون أقلّ من 8.3 دولار يوميًّا زادت من 5.5 في المئة إلى 50.7 في المئة في الفترة نفسها.
في هذا الإطار، يقول رامي (29 عاماً) لموقعنا، إنّه كان ليتوجّه نحو المؤسّسات العامة لو توفّرت مثل هذه الخدمات النفسيّة: "لو أنّ الدولة تقدّم هذه الخدمات، فسأذهب بالتأكيد. وضعنا الاقتصادي سيء جدًّا، ونحن بحاجة ماسّة إلى خدمات الصحة النفسيّة".
فانيسا أيضاً (23 عاماً)، تُطلق نداءً عبر موقعنا: "لدينا جميعاً قصّة وقضيّة، البعض لديه مشاكل ماليّة، والبعض الآخر يواجه صعوباتٍ لمواصلة دراسته. ندعم بعضنا البعض بأفضل طريقة نعرفها، ولكن إلى متى؟ نحن بحاجة إلى الاهتمام الرّسمي بالصحّة النفسيّة، فمَن منّا قادر على دفع 50 و80 دولاراً على الأقلّ مقابل جلسة واحدة عند المُعالج النفسي؟".
الأرقام لا تكذب، وهي تكشف مدى هشاشة الوضع المعيشي والنفسي الذي يعيشه المواطنون. فكيف لهم أن يصمدوا و"الضّربات" تأتيهم من كلّ مكان؟! "التجمّد" هنا أصبح خياراً قسريًّا بانتظار "الفرج".
 
                 
    
 
                 
 
 
 
 
