الكهرباء في لبنان... الأغلى والأسوأ!
                            تصدّر لبنان قائمة الدول العربيّة بأعلى أسعار الكهرباء، إذ يبلغ سعر الكيلوواط الواحد 0.14 دولاراً مقابل 0.01 دولار فقط في كلّ من العراق وسوريا. ويعكس هذا التفاوت الفجوة الهائلة بين كلفة الإنتاج ومستوى الدعم الرّسمي، لكن المفارقة أنّ لبنان يتفوّق سعراً حتى على الإمارات (0.08) التي تُعتبر شبكتها من الأكثر استقراراً وكفاءة في المنطقة، مع التشديد على أنّ البلد صاحب أغلى كهرباء عربيًّا هو نفسه الأسوأ من حيث الاستقرار والتغذية، وفق ما جاء في تقرير World Population Review نُشر في العام 2024 بشأن كلفة الكهرباء في البلدان العربيّة (التفاصيل بالأرقام في الصّورة المرفقة).
تُشير المحامية والخبيرة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر إلى أنّ اللبنانيّين يدفعون السّعر الأغلى عالميًّا كي لا يعيشوا في العتمة. وتُفنّد بالأرقام: "فاتورة الكهرباء تبلغ 27 سنتاً وتصل إلى 30 مع اللواحق، هذا من دون فاتورة المولّدات التي تتراوح بين 40 و50 سنتاً لكل كيلوواط".
إلامَ يعود هذا الأمر؟ تُجيب أبي حيدر في حديث لموقع mtv: "هناك أسباب عدّة، أبرزها أنّ لبنان يعتمد على زيت الوقود الثقيل heavy fuel oil وهو مكلف. أمّا السبب الثاني فيعود إلى رفع تعرفة فاتورة الكهرباء في العام 2022 والذي كان لا بد منه إلى 27 سنتاً لتغطية الهدر الفني والهدر غير الفني، ومع رفع عدد ساعات التغذية أخيراً من الطّبيعي أن نشهد ارتفاعاً في الفواتير على الأسعار الجديدة"، لافتةً إلى "أنّنا نُعاني اليوم من هدر غير فني أي سرقة للكهرباء وعدم دفع فواتير، ونتيجة ذلك، ترتفع الفاتورة لكي تدفع فئة من المواطنين ما لا يدفعه آخرون، وهذا أمر بالغ الخطورة. كما أنّه لا يُمكن الاستغناء عن المولّدات، أي ندفع فاتورتين، وهذا يجعل من الكهرباء في لبنان الأغلى عالميًّا".
الحلّ طبعاً يبدأ من "حلم" توفير الكهرباء على مدار الساعة (24/24). هنا تُشدّد أبي حيدر على أنّ هذا ليس اختراعاً جديداً وطبعاً هو ممكن بل إنّه الوضع الطّبيعي، لافتةً إلى "سهولة الوصول إلى هذا الواقع، لكن لا بدّ من خطوات يجب القيام بها أوّلاً".
وتبدأ أبي حيدر من ضرورة زيادة الإنتاج وزيادة مصادر الفيول، الاتجاه إلى الغاز بدل الفيول (أرخص وأفضل للبيئة والصحة)، إعادة تأهيل المعامل الموجودة وبناء معامل جديدة يجب أن تعتمد على الغاز، بالإضافة إلى إعادة تأهيل شبكات التوزيع وشبكة النقل، لتخفيف ما يُعرف بالهدر الفني. والأهمّ، وفق الخبيرة، العمل على تقليص الهدر غير الفني والحدّ منه قدر الإمكان، وإيجاد حلّ لتأمين جباية الفواتير على كلّ الأراضي اللبنانية من دون استثناء، وذلك بتركيب العدادات الذكيّة.
بإمكان لبنان الاعتماد على نفسه من خلال تعدّد مصادر الطاقة، لتأمين الأمن الطاقوي، وهذا ينعكس إيجاباً على المواطنين، وفق أبي حيدر، موضحةً أنّه كلّما عدّدنا مصادر الإنتاج كلّما خفّفنا الهدر الفني وغير الفني، ما يُترجَم بفاتورة أقلّ كلفة وكهرباء مستدامة.
وعن استجرار الطاقة من الخارج، ترى أبي حيدر أنّه إيجابيّ شرط أن يحصل بأسعار جيّدة مع شروط عقد غير مجحفة بحقّ أيّ من الطّرفين. وتُتابع: "كلّ دول العالم تبيع الفائض لديها، والتبادل في الطاقة أمر إيجابي إنّما العبرة في العقود التي تُبرَم من أجل استيراد الفيول أو الغاز وأن تكون مبنيّة على أسس قانونيّة وعادلة وعدم التفاوض على أساس أنّنا الأضعف. وبهذه الطريقة يُمكن أن نصل إلى تعدّد مصادر الطاقة، ما يؤدّي إلى استدامة وأمن طاقوي".
أخيراً، لا يُمكن الحديث عن تعافٍ اقتصاديّ أو عن تحريك العجلة الاقتصاديّة في غياب الدينامو الأساسي وهو الكهرباء، وهذا عندما تُصبح متوفّرة للجميع مع كلفة مقبولة وتأمين الإستدامة