اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

بين كتاب "الحزب" وإنذارات إسرائيل... هل أصبحت الحرب "مسألة وقت"؟

صيدا اون لاين

في أقل من 48 ساعة، دخل ​لبنان​ في واحدة من أكثر جولات الرسائل السياسية كثافة، وسط سباق محموم على ما يبدو بين الخيارين الدبلوماسي والعسكري. فمع خروج "​حزب الله​" بكتاب مفتوح حسم فيه موقفه من الاستحقاقات، معلنًا رفضه ما وصفه بـ"أفخاخ" التفاوض السياسي مع إسرائيل، ومتمسّكًا بسلاحه، بدا أنّ كلّ الأوراق اختلطت، خصوصًا أنّ الكتاب جاء بعد تسريبات أميركية إسرائيلية عن مهلة حتى أواخر الشهر الجاري لبدء إجراءات سحب السلاح.


وإذا كان رئيس الحكومة ​نواف سلام​ حاول إعادة الاعتبار لمبدأ "الحصرية" الذي أقرّته حكومته، عبر تأكيده أنّ قرار الحرب والسلم أصبح بيد الدولة "وحدها"، في غمزٍ واضح من قناة "حزب الله"، فإنّ إسرائيل سبقته بالردّ على الحزب على طريقتها "النارية"، من خلال تكثيف الغارات على العديد من المناطق الجنوبية، ولكن أيضًا العودة إلى تكتيك "الإنذارات المسبقة"، الذي تتقن استخدامه في سياق "الحرب النفسية"، من أجل ترويع الناس، وبثّ أجواء من الخوف.


وبالتوازي مع ذلك، تواصل إسرائيل تهديداتها بتصعيد الصراع أكثر، وآخرها قول أكثر من مسؤول إسرائيلي بأنّ الغارات التي شنّها الجيش على الجنوب يوم الخميس ليست سوى "مقدمة"، وذلك في ظلّ تسريبات متزايدة عبر الإعلام العبري حول احتمالات الذهاب إلى "معركة أخيرة" في الشمال يمكن أن تمتدّ إلى "كل لبنان وحتى بيروت"، بل إنّ هناك من ذهب لحدّ القول إنّ "موعد" هذه المعركة قد حُدّد على المستويين السياسي والعسكري.

وبين كتاب "حزب الله" ورد إسرائيل الضمني، يبدو أنّ الطرفين يعملان على إعادة رسم هوامش ​القرار 1701​ على الأرض، فيما تجد الدولة نفسها، في قلب معادلة معقّدة عنوانها الظاهر "حصرية السلاح". أما الثابت الوحيد، فهو أنّ المواجهة لم تعد محصورة بخطّ التماس جنوب الليطاني، بل تمدّدت إلى السياسة الداخلية، وإلى موقع لبنان في خريطة الصراع الإقليمي، وإلى سؤال أبعد: من يملك حقّ تفسير 1701 ورسم حدود "حصرية السلاح"
لا شكّ أنّ الكتاب المفتوح الذي أصدره "حزب الله" ووجّهه إلى اللبنانيين، شكّل مفاجأة لكثيرين، ليس بالضرورة بسبب المواقف التي تضمّنها، ومعظمها مكرّر، على غرار التمسّك بالسلاح، ورفض نقاشه تحت الضغط واستجابة للطلب الخارجي، وحتى موضوع التفاوض، وإن أوحى بمرونة ما إزاءه في الآونة الأخيرة، ولكن بسبب توقيته، الذي جاء على وقع تسريبات عن "مهلة محدودة" أمام لبنان من أجل رؤية إجراءات ملموسة على مستوى نزع السلاح.

بهذا المعنى، كانت الرسالة الأساسية في الكتاب واضحة، تقوم قبل كلّ شيء على التأكيد على استمرار الحزب في مقاومة الاحتلال، وبالتالي تمسّكه بسلاحه، مع التأكيد على أنّ هذا الخيار ليس ظرفيًا، بل جزء من عقيدة الحزب وقراءته لموقع لبنان في الصراع، ورفضه أيّ مفاوضات سياسية مع إسرائيل، باعتبار أنّ أي دعوة إلى هذا النوع من التفاوض تأتي في سياق "الابتزاز السياسي"، وربط وقف الاعتداءات بمكاسب سياسية وأمنية لإسرائيل على حساب لبنان.

وإذا كان صحيحًا أنّ "حزب الله" أراد من خلال هذا الكتاب أن يرمي الكرة مجدّدًا في ملعب إسرائيل، باعتبار أنّ المطلوب إلزامها على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، قبل البحث بتفاهمات جديدة، وقبل فرض "شروط جديدة" لوقف الحرب لم ينصّ عليها الاتفاق أساسًا، من نوع نزع السلاح، فإنّ الرسالة الأهمّ في الخطاب قد تكون موجّهة إلى الموفدين الدوليّين، ولا سيما الأميركيّين الذين يضغطون على لبنان، لا على إسرائيل، مع أنّها من يخالف الاتفاق.
هنا جاءت رسالة الحزب واضحة، لا تحتمل اللبس، عنوانها: لا مصلحة وطنية في التفاوض السياسي مع العدو الآن، ولا جدوى من بحث ملف السلاح خارج إطار تفاهم وطني شامل. ويقول العارفون إنّ الحزب يحاول بهذه المقاربة نزع ورقة سلاحه من يد الحكومة والوسطاء الدوليين في المرحلة الحالية، عبر القول إن حصر السلاح ليس بندًا تفاوضيًا تحت ضغط الغارات، بل استحقاق لبناني داخلي يقرّره التوقيت الوطني لا الإيقاع الإسرائيلي.

لكن، هل يمكن لمثل هذه المقاربة أن تجد طريقها فعلاً نحو التنفيذ؟ هل تساعد في تفادي الانزلاق إلى الحرب، أم أنّها ربما تسرّع الحرب في مكانٍ ما، باعتبار أنّ الحزب يقول بالفم الملآن إنه لن يسلّم سلاحه؟ قد يكون من المبكر الإجابة على هذه الأسئلة، ولو أنّ الثابت أنّ كتاب الحزب هذا يفتح الباب أمام كل السيناريوهات، حتى لو صحّ الافتراض القائل بأنّه لم يغلق النافذة في الوقت نفسه على الحلول والخيارات الدبلوماسية، عبر الآليات التفاوضية القائمة أساسًا.

ميدانيًا، جاء الردّ الإسرائيلي سريعًا، ليس فقط من خلال تكثيف الغارات والخروقات، ولكن أيضًا عبر العودة إلى سياسة الإنذارات في الجنوب بوصفه رسالة مزدوجة، فهي من ناحية ضغط مباشر على "حزب الله"، فضلاً عن كونها تشكّل ردًّا عمليًّا على كتابه المفتوح، بالقول إنّها من يرسم المعادلات، وإنّها مستعدّة للذهاب إلى الحرب لاستكمال ما بدأته في الجولة الأولى، إذا أصرّ على عدم التجاوب مع المساعي الدبلوماسية لنزع سلاحه.
لكنّ الرسالة من التصعيد الإسرائيلي موجّهة أيضًا إلى الدولة والجيش، مفادها أن "التقدّم" في خطة حصرية السلاح وفق ما يرد في تقارير قيادة الجيش التي يناقشها مجلس الوزراء، لا يكفي لإقناع تل أبيب ما لم تلمس تغييرات ملموسة ميدانيًا، والأهم أنّها مستعدّة للتدخّل ونزع السلاح بنفسها، ما لم تُنهِ الحكومة الأمر بنفسها، بل إنّ بقاء السلاح في يد الحزب، الذي تتحدث تقارير إسرائيلية عن ترميم قدراته، يعني في منطق تل أبيب، استمرار "مبرّر الغارات".

وسط كلّ ذلك، تقف الدولة اللبنانية أمام اختبار صعب، وهي التي تحاول "طمأنة" ​المجتمع الدولي​ بأنها ماضية في "حصرية السلاح" حتى النهاية ومهما كلّف الأمر، لكنها تعجز عن ترجمة ذلك سريعًا للحسابات والاعتبارات المعروفة، وهو ما يفسّر مثلاً مسارعة رئيس الحكومة للرد على كتاب "حزب الله" ولو من دون تسميته، وهو ما يلتقي فيه مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي ينتظر ردًا إسرائيليًا لا يأتي سوى بالنار، على فكرة التفاوض.

وسط هذه المشهدية، يبدو أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس فقط: "هل تقود هذه الرسائل المتبادلة إلى حرب؟"، بل أيضًا: "هل ما زال القرار 1701 قادرًا على تشكيل مظلّة جامعة للحل؟". في الواقع، ثمّة من يرى أنّ هذا القرار تحوّل إلى نصّ "مرن" لكل طرف، يرفعه حيث يشاء ويطويه حيث يشاء: "حزب الله" يقرأه كإطار لوقف الأعمال العدائية، الحكومة تقدّمه كمرجعية لحصرية السلاح وبسط سلطة الدولة، وإسرائيل تستدعيه لتبرير ضرباتها.
وبين هذه القراءات المتصارعة، يبقى الجنوب من يدفع كالعادة ثمن الكباش، فيما لبنان كلّه مهدّد بأن يتحوّل، مرّة أخرى، إلى صندوق بريد لرسائل الآخرين ومشاريعهم، ما لم يُحسَم داخليًا وبهدوء، سؤال السلاح والسيادة و​الاستراتيجية الدفاعية​، بعيدًا عن إيقاع الإنذارات والغارات. فهل ينجح لبنان في تحويل هذه اللحظة إلى فرصة لإعادة فتح نقاش جدي حول الاستراتيجية الدفاعية تحت سقف وطني، أم أن الحرب أصبحت فعلاً "مسألة وقت" تسعى إسرائيل إلى التحكّم بساعتها؟.

تم نسخ الرابط