موافقة عون على المفاوضات: الثّمن تجنّب الحرب الشاملة؟
قبل طرح رئيس الجمهورية جوزاف عون تعيين السفير السابق في واشنطن سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني في آلية «الميكانيزم»، برَّرت بعبدا موقفها في رسالة الى الثنائي الشيعي بأنه يأتي في إطار محاولة احتواء التوتر ومنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة... وافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على هذا الطرح انطلاقا من الآلية التي اتبعت حين ترسيم الحدود البحرية ولكن حزب لله وفقا لمعلومات مصادر مطلعة تحفّظ على ذلك وتحديدا على اسم السفير كرم وعلى آلية الذهاب نحو التفاوض غير المباشر فيما العدو الاسرائيلي ما زال يمارس عدوانه ضد لبنان ولم ينسحب من النقاط الخمس ولم يعد الاسرى.
هنا كان التباين في وجهات النظر بين الثنائي والرئيس عون وحتى ضمن الفريق الشيعي نفسه: كيف سنذهب الى مفاوضات في ظل عدم التزام العدو باتفاق وقف اطلاق النار ومطالبته بالمزيد من التنازلات؟ مع ذلك ترك حزب الله، وفقا لمصادر مطلعة، الباب مفتوحا امام بري للسير في ما يراه مناسبا، واعطاه التفويض الكامل للتصرف واتخاذ القرار المناسب. لكن السؤال الذي طرحته اوساط مقربة من الثنائي الوطني على الرئيس عون: هل أعطاك الاميركي ضمانات بالتزام العدو باطار التفاوض الجديد؟
جاءت التطمينات بأن واشنطن ساهمت في إقناع العدو الاسرائيلي بتأجيل العدوان والموافقة على التفاوض غير المباشر مع لبنان بعدما كانت رفضته سابقا. أكثر من ذلك، تقول المصادر، إن بعبدا تبلغت بطريقة او بأخرى أن طهران قالت للوزير السابق علي حسن خليل انها لا تمانع التفاوض غير المباشر بين لبنان والعدو الاسرائيلي، علما ان مصادر تدور في فلك حزب لله أكدت لـ«اللواء» أن ايران قالت بصريح العبارة لعلي حسن خليل أن أمر الموافقة أو رفض أي أمر متروك للحزب ولحركة أمل، ونحن لا دخل لنا بما تتفقان عليه.
هنا مربط الفرس، فحزب لله ما زال مصرا حتى لحظة كتابة هذا المقال على رفض أي مفاوضات سياسية مع العدو وانه ضد أي شكل من أشكال التفاوض طالما أن العدو لم يطبق اتفاق وقف اطلاق النار وتحديدا وقف العدوان والانسحاب واعادة الاسرى، وموقفه المبدئي يلخصه الكتاب الذي وجهه للرؤساء الثلاثة، ورده على ورقة توم براك والمبادرة المصرية، فما الذي يجري في لبنان حاليا؟
تسوق مصادر مقربة من بعبدا الى أن موافقة الرئيس عون على هذه المفاوضات لم تكن بلا ثمن، إذ انه سيجنبنا حربا شاملة مؤكدة، بعدما بلغت تل أبيب الدولة اللبنانية عبر الوسيطين الاميركي والمصري بنيتها شن عدوان واسع خلال الاسابيع المقبلة.
وتقول المصادر ذاتها إن آلية التفاوض بين الطرفين اللبناني والاسرائيلي ستكون غير مباشرة وتحت سقف تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار لا اكثر ولا اقل، ولا صلاحيات للسفير كرم بالذهاب نحو توسيع المفاوضات أو البحث خارج هذه الآلية بمعزل عن حجم الضغوط التي تمارسها واشنطن على الدولة اللبنانية لتوسيعها بعد موافقة لبنان على إشراك مدنيين، واعتبارها ذلك نوع من التفاوض السياسي وليس التقني، بل خطوة اولى على طريق احلال السلام بين لبنان والعدو الاسرائيلي.
لكن الخطأ الذي وقع برأي المصادر المطلعة، هو المقارنة بين ما يجري حاليا وبين مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فتلك المفاوضات كانت تقنية ومحصورة بملف واحد هو ترسيم الحدود البحرية وكانت الدولة مدعومة بقوة حزب لله، أما اليوم، فالمفاوضات مفتوحة وتدار من دولة منهكة سياسيا اقتصاديا ومقسمة داخليا.
وبالتالي، فإن ما يظهر حتى الان، ان لبنان دخل مرحلة حساسة، قررت فيها الدولة التفاوض من موقع الاضطرار لتجنب الحرب كما تدعي وليس من موقع القوة... حتى ان الثنائي الشيعي نفسه ليس على موقف موحد بمعزل عن اي تبريرات يقدمها الطرفان، اما رئاسة الجمهورية فتتصرف تحت ضغوط دولية وإقليمية، فيما العدو ما زال يمارس عدوانه ونجح في فرض التفاوض على لبنان تحت النار، كما يقال